Saturday, October 24, 2009

الحراك النهضوي مابين التنظير والتطبيق والنقد

في هذا المقال يتحدث دكتور يحيي نعيم من موقع يقظة فكر تحت عنوان اشكالية التنظير والتطبيق
عن ثلاثية البناء او ثلاثية الحراك النهضوي المتلخصة في
التنظير
التطبيق
النقد البناء
والعلاقة بين اطراف هذه الثلاثية التي تؤدي الي صحة الحراك
*************
*******
****
د.يحيى نعيم – يقظة فكر
الحديث حول نهضة أمتنا الإسلامية وشعوبنا العربية صار حديثاً ذو شجن, فما تمر به الأمة من نكبات ومحن أوهنت أركانها, فباتت ممزقة القوى ومن ثم فريسة سهلة أغرت الأعداء بالتكالب عليها والسعي للسيطرة علي مقدراتها ومواردها، قد خلق شعوراً مريراً في النفوس التي لم تزل نابضة بالحياة من أبناء هذه الأمة، فدفعها ذلك إلي الإبحار في عالم الأفكار بحثاً عن سبل الخلاص ونظريات النهوض
ومن ثم إجتمع لدي المهتمين بنهضة هذه الأمة ورفعتها صنوف شتى من الرؤى دفعتهم للتنظير لها والدعوة لتبنيها أملاً أن يتحقق بها البغية والمراد
هذا الحراك الفكري علي ما فيه من خير كثير ونفع مأمول، إلا أنه في حاجة للترشيد بما يجمع بين
المنهج العلمي في البحث والمنهج التطبيقى عند التنظير

والمقصود بالمنهج العلمي حال البحث هو ذلك المنهج الذي يمر بالمراحل الثلاثة: من الشعور بالمشكلة ، ثم وضع الحلول المحتملة لها “فرضيات البحث” ثم إختبار هذه الحلول والأخذ بالصائب منها
..
أما المنهج التطبيقى عند التنظير، فالمقصود به أن يكون ما نُنظّر له قابلاً للتطبيق والتنفيذ ،إذ أنه لا جدوى من طرح أفكار لا تغادر الوريقات التي خُطت عليها إلي أرض الواقع فتغيره وتنهض به.. فحال كهذا تشبه فيه النظرية وما إحتوته من أفكار جسداً مصروعاً بالعقل أو بأرفف المكتبات. ويبقى التطبيق وتحويل هذه الأفكار لواقع معاش بمثابة روح النظرية, وقلبها النابض بالحياة
.
لذا وجب علي من يخوض في غمار الفكر ليستخرج لأمته ما يعين علي نهضتها وخلاصها من كبوتها، مراعاة هذه المنهجية في البحث والتنظير.. كي لا نجد أنفسنا أمام كم هائل من الأفكار التي قد تبدو مجدية بين طيات الكتب فإذا ما حاول البعض تطبيقها إستعصت عليه
،فخلّفت إحباطاً أو يأساً من تكرار المحاولة في ظل أحوال تهيب بكل العاملين في ميدان النهضة بعث الأمل وتعظيمه في النفوس.

ينبغي أن تتسم الأفكار بالوضوح والدقة في الرؤية, وأن تكون أفكاراً عملية تهتم بتقديم الحلول لا البحث في المشكلات وتوصيفها من دون علاج كما قد نرى في بعض الأحوال..
كما ينبغي أن يتسم أصحابها بالعزم والمثابرة والإصرار علي تبليغها وإيضاحها ،خاصة إذا ما كان في بعضها خروجاً عن المألوف فكراً أو سلوكاً ،فالناس أعداء ما جهلوا وليس للبعض صبر علي إجهاد النفس لفهم الآخر أو السعي لمشاركته الوقوف علي أرضيته الفكرية.. وهذا ما يمثل الوجة الآخر لإشكالية التنظير والتطبيق عند العاملين في ميدان النهضة.
فحبث أنه في ظل حالة الترهل التي تعانيها معظم التنظيمات النهضوية القائمة في عالمنا العربي والإسلامي علي إختلاف أيديولوجياتها ، نشأت ظاهرة النقد لمناهجها الفكرية، سلوكها التنظيمي أو إستراتيجيتها الحركية…والمقصود بالترهل هنا هو فقدان الفاعلية وضعف الإنجاز عند البعض ، وإتساع البون بين المنهج الفكري الذي يقوم عليه التنظيم و الواقع الحركي له عند البعض الآخر…
ولعل من اللافت للنظر في هذا النقد أنه لا يقتصر علي المراقبين الخارجيين لهذه التنظيمات وطريقة عملها ، بل قد يمارسه بعض المنتمين لهذه التنظيمات والعاملين بين صفوفها في أحيان كثيرة،وهو ما يمثل نوعاً من النقد الذاتي،وظاهرة حديثه لم نعتد علي رؤيتها في سلوك التنظيمات العربية بشكل خاص حتى النهضوي منها..
ربما كونَها ظاهرة غير مألوفة هو ما أثار حفيظة بعض المنتمين لهذه التنظيمات التي تنال حظها من تلك الإنتقادات، حيث إرتأى هؤلاء أن تفشي هذه الظاهرة قد يبلبل الصفوف ويبعثر القوى ، بما قد يتسبب في آثار غير محمودة علي كيان التنظيم ونشاطه الحركي.
زاد من حدة الرفض لهذا النقد الذاتي ما قد يعتريه من قصور في الرؤية ، أو تعميم في الأحكام عند من يُطلقه ، أو ما قد يتسم به النقد من إستفاضة في تشخيص المشكلة دون تقديم الحلول المنطقية والعملية لها وفق منهج نقدي وبحثي سليم كما سبق التوضيح بالمقال الأول…
ولكن لوحظ أن مسألة الرفض المطلق لتقبل النقد الذاتي دونما تمييز ، قد ترتب عنها حالة من الجمود الفكري ، والذي أدى بدوره لإنعدام الحيوية والتجديد بالأنشطة والوسائل التي تتبناها هذه التنظيمات لتحقيق أدوارها وبلوغ أهدافها, ليس هذا فحسب بل صار هناك ما قارب التقديس لكل ما هو مألوف وتقليدي في بعض الأحيان, وخلط واضح بين الثوابت التي لا يجب المساس بها, والمتغيرات التي تتبدل وتتجدد بتغير الأحوال والظروف..
ما بين عدم الإلتزام بالمنهج التطبيقى عند التنظير الذي يمارسه البعض ، والنقد الذي لا يقوم علي أسس علمية سليمة عند البعض ، وحالة الفوبيا والرفض الشديد لتقبل النقد أو جديد الأفكار عند البعض الآخر نشأت الإشكالية بين التنظير والتطبيق عند العاملين في ميدان النهضة…
فصار هناك فريق يرفض كل ما هو جديد وغير مألوف دونما إختبار لصلاحيته من فساده ، وفريق يسبح عكس التيار حاملاً من بحار الفكر كل ثمين ولكن لا يجد من يشتري منه بضاعته بل ربما ضُيق عليه في عرضها والصدع بها..وفريق ثالث صار لايجيد سوى جلد الذات وممارسة النقد الغير بناء..
علاقة تكاملية

بيد أن الحقيقة التي ينبغي علي الجميع الإحاطة بها أن العلاقة بين التنظير والتطبيق علاقة تكاملية لمن أراد النجاح.. فالتنظير لأفكار لا يمكن ترجمتها لواقع معاش لايعدو حبراً علي ورق وجسداً من دون حياة, كما أن الحراك الذي لا يقوم علي فكر راشد وسليم لا يعدو خبط عشواء وجهد بلا طائل أو جدوى
..
وما أحوجنا في رحلة النهوض للجمع بين رشد النظرية الفكري وروعة التطبيق الحركي, ما أحوجنا لأن نرى التكامل والتلاحم والتنسيق بين فكر يُرشد ويد تشيد وعين ترقب بإيجابية.. فمن دون ذلك يبقى مشروع النهضة غير مكتمل الأركان ومن ثم يبقى حلمنا للنهوض والرفعة بعيد المنال.

No comments:

Post a Comment