Wednesday, December 16, 2009

امكانية العبور . . بين خوف الاجداد واقدام الاحفاد

نقلا عن موقع اكاديمية التغيير...تحت عنوان لا تعبر الشارع وحدك
بقلم: م/ وائل عادل
11/7/2006
"لا تعبر الشارع وحدك"...كلمات حانية... كم سمعتها من جدي الممسك بيدي لنعبر الشارع॥ حتى وأنا ابن الرابعة عشر، لم ينتبه أنني كبرت، وعليَّ أن أعبر بمفردي..وجدتني أتردد بعد ذلك في عبور الشارع.. أطيل النظر للسيارات القادمة، لأنني اعتدت أن يقودني جدي الأطول قامة مني، والأقدر على رؤية السيارت، ثم اتخاذ القرار الجريء بالعبور... لأعبر متترساً به। كنت أغبط زملائي الذين يعبرون وحدهم بجرأة، رغم أنهم قد يصغرونني سناً، لم يمسك أجدادهم بأيديهم، كانوا يرمقونهم من بعيد..


كان منطق جدي خوفه علي، وهدفه أن أعبر الشارع بسلام، ظننت حينها أن أجداد زملائي لا يخافون عليهم، ثم أدركت لاحقاً أن هدفهم كان تعليم أحفادهم كيف يعبرون، وليس مجرد العبور، كيف يتخذون القرار، وليس مجرد تلقي القرار للتنفيذ.
ما لم ينتبه له جدي أنني صرت أسرع منه، وتقديره لإمكانية العبور بالتأكيد يختلف عن تقديري، لأنه يقيس الإمكانية بسرعته وصحته هو। كان الأطفال يعبرون الشارع في رشاقة متنقلين بين السيارات، بينما أتحرك بسرعة شيخ وأنتظر حتى يفرغ الطريق من السيارات। وفي الوقت الذي لم يكن هؤلاء الأطفال يخشون العبور؛ كانت تتسارع دقات قلبي كلما أحكم جدي قبضته على يدي مع تدفق سيل السيارات، وأجده يتقدم خطوة ويرجع للخلف خطوة। أدركت أنه عندما تسود ثقافة القيادة الأبوية، ووصاية الكبير على الصغير، تعجز كثير من الأمم عن عبور شوارع التحديات لتصل إلى ميادين الحضارة، لأنها تُبتلى بأجيال متواكلة ممسوخة، لا تبادر ولا تطرح حلاً، منتظرة قرار الشيوخ. و تشيخ الأمم عندما تصاب بشيخوخة الفعل، وتفقد حسها بعامل الزمن، فيقوم ابن الثلاثين بالأفعال التي يُفترض أن يقوم بها ابن الثامنة عشر، ويتقلد من جاوز الخمسين زمام المواقع التي يجب أن تنبض فاعلية بابن الثلاثين. هذا الترحيل يؤدي إلى شيخوخة الأمة، شيخوخة على مستوى الأحلام والأهداف والاستراتيجيات، شيخوخة على مستوى الأداء، شيخوخة على مستوى صناعة الرموز في شتى المجالات. إنها حالة يمكن أن نطلق عليها "تصابي الشيوخ، وطفولة الشباب"، فالشيخ صار يقوم بعمل الشاب، والشاب يمسك بيد الشيخ خشية عبور الطريق، بحجة أن الشيخ أطول قامة وأقدر على رؤية السيارات القادمة من بعيد. إن شيخوخة الفعل تعني أن يتأخر الشاب عن الفعل عقداً، أن يحمل الأب ابنه في الوقت الذي يتمكن فيه من المشي، وأن يمسك الجد بيد حفيده في الوقت الذي يستطيع أن يعبر الشارع بمفرده، وأن يعطي الجد قرار العبور في الوقت الذي يجب اكتفاؤه بتقديم الرأي. وإذا طال الأمد بالأمم تفقد الحس بالشيخوخة، فلا يطمح الشاب في ممارسة دور الشباب، بل يتمسك بقيام الشيخ بدوره، ويحرص أن يمسك بيده. نحتاج اختزال هذه الفجوة الزمنية في مساحات الفعل. وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ويتطلب هذا وعياً وجرأة، وعياً من الشيوخ بأن دورهم استشاري يزود الشباب برصيد ضخم من الخبرات، ويرمق عملية العبور، ووعياً من الشباب بقدرته على العبور، مدركاً أن أجداده ليسوا بالضرورة أقدر على الرؤية منه، فحدة البصر قد تضعف مع مرور العمر، ورصيد التجربة بقدر ما له دور إيجابي يستفاد منه؛ بقدر ما يحمل تأثيراً سلبياً إن كان الجد تعرض من قبل لحادث مرور، فأصيب بهاجس الخوف من العبور، مُوَرِّثاً إياه للشباب. ويتطلب الأمر جرأة في الفعل بعد هذا الوعي، جرأة من الشيوخ في دفع الشباب لاتخاذ القرارات والمبادرات مع تقديم النصح والخبرة، وجرأة التجربة من الشباب، حتى يتمرس اتخاذ القرار ويبصر الطريق بوضوح. إن الأمة ستستعيد فتوتها إذا أدركت مؤسساتها خطورة هذه الهوة بداية من مؤسسة الحكم وانتهاءً بمؤسسة الأسرة، وقررت أن تستدرك، بإعطاء الصلاحيات للجيل الجديد الحالم، وتأسيس لجان استشارية من الشيوخ. وها نحن نرى بشارات تطلقها ثلة مغامرة من الشباب -في عدة أقطار- تعشق الجلوس في عين العاصفة لتثبت أن هذا زمانها. مُرَوِّضَة مجالات السياسة والإعلام والفن والإدارة وغيرها، مؤمنة بإمكانية الفعل، وعازمة على رسم مستقبل جديد، وتتجلى انتفاضتها في مشاريع شبابية، تحمل كلها رسالة واحدة مفادها...هذا زماننا॥ وهذه هي لحظة العبور॥مؤمنين أن تأجيل تحركهم يكرس الشيخوخة، ويكرر المأساة بسلب الجيل الذي يليهم حقه، لقد أدركوا أن عصرهم يستنفرهم ليحلموا، ويكتبوا، ويتحدثوا عن آمالهم، ويحللوا ويطرحوا رؤاهم في عمليات التحول॥ إنهم أبناء المرحلة، وهم مهندسو المشروع الحضاري الذي يتمنونه... سحبوا أيديهم من قبضة أجدادهم بعد أن قبَّلوها قائلين.. "بإمكاننا العبور".


نقلا عن موقع اكاديمية التغيير



Friday, December 11, 2009

Monday, November 30, 2009

المفكر الجزائري .. مالك بن نبي


المفكر الجزائري .. مالك بن نبي
(1323-1393هـ = 1905-1973م)
المفكر الجزائري .. مالك بن نبي

من كتاب من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة – المستشار : عبد الله العقيل
معرفتي به :
تربطني بالمفكر الجزائري الأستاذ الكبير مالك بن نبي روابط فكرية ، حيث سعدت بقراءة أول كتاب له بالعربية وهو (الظاهرة القرآنية) وشدتني لقراءته والتمكن فيه المقدمة التي دبجتها براعة الأديب اللغوي الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر ، فضلاً عن أن مترجم الكتاب الدكتور عبد الصبور شاهين من الزملاء الأعزاء الذين جمعتني وإياهم روابط العقيدة والعمل المشترك في ميدان الدعوة إلى الله فكان اضطلاعه بالترجمة حافزاً لي لقراءة كتاب عن مؤلف لا أعرفه من قبل ، ثم تتابعت قراءاتي لما صدر بعد ذلك من كتبه المترجمة إلى العربية والتي وجدت فيها نظرة تستوعب مشكلات الحضارة وحل معضلات العصر وبناء شخصية المسلم المعاصر ؛ البناء العقدي الايجابي المبني على النظر والتدبر في حقائق الكون والحياة والنفس الإنسانية ومساربها ومحاربة التخلف الفكري والحضاري لمواجهة ضرورات العصر ومنطلقاته ।
ثم شاء الله أن ألتقي المفكر الجزائري أول مرة في الكويت حين دعوناه للموسم الثقافي هناك أواخر الستينات ، وكان لنا معه حوارات وندوات وأحاديث ومناظرات ، خرجت منها بأن الأستاذ مالك بن نبي طراز فريد من المفكرين الذين يستخدمون العقل في تعضيد ما ورز بالنص ويؤثرون التحليل للمشكلات ودراستها استيعاب ويطرحون الحلول لمعضلات على ضوء التصور الإسلامي وفي ظل القرآن وهدي السنة .

من تلامذته :
ولقد تأثر به قطاع عريض من الشباب في المغرب والمشرق على حد سواء ، فكان منهم الأستاذ رشيد بن عيسى من الجزائر ، والأستاذ عمر مسقاوي من لبنان ، والأستاذ جودت سعيد من سوريا ، ود. عبد الصبور شاهين من مصر وغيرهم من الذين حملوا الفكر الإسلامي المعاصر ، فلقد كانت المدارس الفكرية للبنا والمودودي وسيِّد قطب ومالك بن نبي ، ينتظم في عدادها الألوف من شباب العالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص .

مؤلفاته وآثاره :
لقد أسهم الأستاذ مالك بن نبي بالعديد من المؤلفات التي ترجم بعضها إلى اللغة العربية كلها تدور حول مشكلات الحضارة وفي مقدمة هذه الكتب : كتاب (الظاهرة القرآنية) وكتاب (وجهة العالم الإسلامي) وكتاب (الفكرة الأفريقية الآسيوية) وكتاب (شروط النهضة) وكتاب (يوميات شاهد للقرن) وكتاب (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي) وكتاب (آفاق جزائرية) وكتاب (المسلم في عالم الاقتصاد) وكتاب (لبيك) وكتاب (بين الرشاد والتيه) وكتاب (إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث) وكتاب (تأملات) وكتاب (في مهب المعركة) وكتاب (فكرة كومنولث إسلامي) وكتاب (القضايا الكبرى) وكتاب (مشكلة الثقافة) وكتاب (ميلاد مجتمع) وكتاب (من أجل التغيير) وكتاب (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) وكتاب (دور المسلم ورسالته في القرن العشرين) وغيرها كثير بالعربية والفرنسية .
ولقد أحدثت موضوعات هذه الكتب أثرها في توعية الشباب عن الاستعمار الغربي الذي يجثم على صدور الشعوب الاسلامية ، وأساليبه في إذلال هذه الشعوب ، كما تكلم مالك بن نبي عن النهضة وشرائطها والحضارة الغربية وطرق مواجهتها والشخصية المسلمة ومواصفاتها ، ولقد لفت الأستاذ مالك بن نبي نظر الأمة الاسلامية إلى أن الأخطر من الاستعمار هو القابلية للاستعمار ، لأن النفوس إذا ضعفت وانهزمت من داخلها فمعنى هذا أنها ستكون خير وعاء لاستقبال الاستعمار والرضا به والسير وراء حضارة الغالب والتخلي عن أمجاد الماضي وأصالته ، والالتصاق بكل ما يرد من المستعمر من خير وشر وحلو ومر وصواب وخطأ ، دون تمييز أن انتقاء بل بتقليد المغلوب للغالب والعبد للسيد ، وأوضح لها بأن القوي الغالب هو الله ، فلا غالب إلا الله ، وأن المسلم الحق هو الأعلى وأن الاسلام هو الدين الحق وأن المستقبل للاسلام .
ومن هذه النظرة المعتزة بدينها والمستعلية بإيمانها الآخذة بخير ما في الحضارات المعرضة عن سؤءاتها ، أهابت مؤلفات مالك بن نبي بأمة الاسلام أن لا تكون من عبيد الاستعمار وأن لا تكون مسخرة لأعماله ولا سوقاص لمنتجاته وأن لا تفقد أصالتها بتقليده في كل شيء حتى الأفكار كما يفعل المستغربون والمخدوعون بحضارة المستعمر من العلمانيين والحداثيين والإمعات الراكضين وراء كل ناعق .

مولده ونشأته :
إن الأستاذ مالك بن نبي الذي ولد سنة 1905م بمدينة قسنطينة بالجزائر وهو ابن الحاج عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي ، ثم انتقلت أسرته وهو طفل إلى بلدة (تبسة) وهناك بدأ يتردد على الكتاب لتعليم القرآن الكريم وفي نفس الوقت يدرس بالمدرسة الابتدائية حيث كان فيها متفوقاً وبعدها انتقل إلى التعليم الثانوي بمدينة (قسنطينية) وكان وقتها يحضر دروس الشيخ ابن العابد في الجامع الكبير والشيخ مولود بن مهنا .
وكان يميل إلى القراءة منذ صغره فقرأ في الشعر الجاهلي والأموي والعباسي ، وتأثر بشعر امرئ القيس والشنفري وعنترة والفرزدق والأخطر وأبي نواس وحتى أصحاب المدرسة الحديثة كحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي وشعراء المهجر كجيران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وكان بقرب بيته مقهى وبالقرب منها مكتب الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، فيلتقي فيه التيار الناشئ من المدرسين وأتباع ابن باديس حيث تأثر بهما كمدرستين أحدهما سياسية والأخرى إصلاحية ، وبعد التخرج من الثانوية مارس أعمالاً عدة ثم سافر إلى فرنسا سنة 1930م لغرض الدراسة في معهد الدراسات الشرقية فلم يتيسر له ذلك فسجل نفسه في (معهد اللاسلكي) ثم التحق بمدرس الكهرباء ، وتخرج من باريس مهندساً سنة 1935م وكانت دراسته تنصب في معرفة أمراض العالم عموماً الجزائر خصوصاً وتشخيص علاجها واقتراح الحلول لها. ويعتبر أن الدين أصل الحضارات، لأن الحضارة لا تظهر في أمة من الأمم إلا في صورة وحي من السماء يكون للناس شرعة ومنهاجاً .
وإن الدين إذا ضعف في نفوس أصحاب، فقد الإنسان جانبه الروحي والتصق بالأرض وما عليها التصاقاً يعطل ملكات عقله ويطلق غرائزه الدنيوية من عقالها لتعيده إلى مستوى الحياة البدائية. ثم رحل إلى مصر سنة 1956م ثم عاد إلى الجزائر سنة 1973م حيث توفي في شهر أكتوبر من العام نفسه.

أفكاره ومدرسته :
وقد أعطى الفكر الإسلامي عصارة أفكاره وخلاصة تجاربه واستقطب العديد من شباب المشرق والمغرب الذين اتخذوا من أفكاره مناهج للتعامل مع الحضارة المعاصرة بأخذ الصالح منها وإطراح الطالح وتسخير العقل لأعمال النظر في التراث الإنساني وإخضاعه للمقاييس والمعايير الإسلامية التي تريد للإنسان أن يعيش عزيزاً مكرماً في هذه الدنيا التي استخلفه الله فيها ليعمرها بعمل الخير وفعل المعروف وإحسان العبادة لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
إن الأستاذ مالك بن نبي – رحمه الله – كان شعلة نشاط وكان منظراً فكرياً ودارساً متعمقاً ، قد الفكر الإسلامي الأصيل الذي أعاد لشباب الأمة ثقته في دينه والتزامه بمفاهيمه وتطبيقه لأحكامه ، فالتقى تلامذته وحملة أفكاره بتلامذة المودودي ، وتلامذة سيد قطب ، فكان هؤلاء ومن قبلهم تلامذة حسن البنا هم ركائز الصحوة الإسلامية الراشدة في العالم الإسلامي كله وتيارها الديني الذي سيجرف بإذن الله كل المفاهيم والأفكار العلمانية التي نشرها الاستعمار وروج لها الغرب في ديار المسلمين .
وسيطرة الحل الإسلامي بديلاً عن الحلول المستوردة التي جنت على أمتنا وفرقتها شيعاً وأحزاباً وطوائف وقوميات ، فالحل الإسلامي هو فريضة وضرورة وهو العلاج لكل المشكلات والمجيب عن كل التساؤلات والمداوي لكل الجراحات .
من هذا المنطلق كانت كتابات هؤلاء العمالقة من المفكرين الإسلاميين ، تشد الشباب لتبروؤ مكان الصدارة والسير قدماً إلى الأمام في ركب الحضارة المعاصرة والتي تستلهم ماضي الأمة وأمجادها في شق طريقها نحو الحياة الحرة الكريمة في ظل الإيمان .
وإذا كان مالك بن نبي قد امتلك زمام التعريف الحضاري بمعظم جوانب العطاء الإسلامي للحضارة البشرية ، فإنني أرى أن الآثار التي خلفها لنا هذا المفكر الإسلامي هي بعض الزاد الحضاري الإسلامي الذي يمكن للمسلمين اليوم أن يطرحوه أمام العالم ، فالأفكار التي طرحها مالك بن نبي أفكار ناضجة في ميادين العلاقات الدولية والنظم السياسية والفكرية والثقافية والتربوية والتنموية مما تحتاجه المجتمعات البشرية الحديثة .
ولقد قدّم الأستاذ مالك بن نبي الأنظمة الإسلامية في قالب حضاري وأسلوب معاصر كما تمكن من تجزئة الاحتياجات الحضارية للمجتمعات البشرية حيث فصلها وطرح البديل الإسلامي مقارناً مع النظم الإنسانية الوضعية ، فكان بهذا الأسلوب صاحب مدرسة مقارناً مع النظم الإنسانية الوضعية ، فكان بهذا الأسلوب صاحب مدرسة نقلت في العالم جوهر الإسلام وبدائله التي تتقزم أمامها كل النظريات البشرية الوضعية ، الأمر الذي رسخ الاعتزام بالإسلام وحلوله في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وحصن أفكارهم التي كانت في مطلع هذا القرن تستهل قبول الفكر التغريبي المادي الذي سيطر فترة من الزمن على بعض العقول .

شهادة بحقه :
يقول الاستاذ الكبير أنور الجندي : (فقد العالم الإسلامي واحداً من أعلام الفكر الإسلامي الحديث هو الأستاذ مالك بن نبي المفكر الجزائري الذي قدم في السنوات الأخيرة عدداً من المؤلفات البارعة حول موضوع (الإسلام ومواجهة الحضارة) فهو موضوعه الأول وقضيته الكبرى التي حاول منذ أكثر من عشرين عاماً أن يقدم فيها وجهة نظر جديدة نابعة من مفهوم الإسلام نفسه ومرتبطة بالعصر في محاولة لإخراج المسلمين والفكر الإسلامي من احتواء الفكر الغربي وسيطرته وكسر هذا القيد الضاغط الذي يجعل الفكر الإسلامي يدور في الدائرة المغلقة التي نقله إليها اجتياح التغريب والغزو الثقافي لقيمه عن طريق المدرسة والثقافة والصحافة وفي محاولة لدفع المسلمين إلى التماس مفهومهم الأصيل والتحرك من خلال دائرتهم المرنة الجامعة القائمة على التكامل والوسطية والمستمدة لقيامها الأساسية من القرآن .
والجديد في دراسات مالك بن نبي ورسالته بالنسبة لمدرسة اليقظة الإسلامية المتصلة بالعرى منذ نادي الإمام محمد بن عبد الوهاب بأول صوت عال كريم في سبيل إيقاظ المسلمين على كلمة التوحيد في العصر الحديث ثم تتابعت الحلقات في دعوات متعددة قام بها الإمام محمد بن علي السنوسي ومحمد بن أحمد المهدي وجمال الدين ومحمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا وغيرهم .
هذا والجديد أن حامل لواء هذه الفكرة رجل ولد في أول هذا القرن في الجزائر ، المحتلة بالاستعمار الفرنسي وقد ولد في قسنطينة التي خرجت الإمام عبد الحميد بن باديس ، وشهد في مطالع حياته ذلك الجو القاتم المظلم الذي حاول الاستعمار فيه أن يخرج الجزائر من الإسلام ومن اللغة العربية جميعاً ، وقد كانت له جذوره التي استمدها من بيئة مسلمة أصيلة حافظت على تراثها واستطاعت أن تعتصم بالقرآن ، فلما أن أتيح له أن يتم تعليمه أوفد إلى باريس ليدرس الهندسة في جامعتها ، فلم يصرفه ذلك عن معتقده وإيمانه فكان مثلاً للصمود في وجه اجتياح التغريب ومحاولة الاحتواء التي سيطرت على الكثيرين من أبناء المسلمين الذي أتيحت لهم الدراسة في الغرب ، فلما أن أتم دراسته وأحرز شهادته وجد الأبواب كلها قد أغلقت أمامه ، وأحس أن تصميمه على تمسكه بمعتقده سيحول بينه وبين الوصول إلى مكانته كمهندس وعالم ، فلم يثنه ذلك شيئاً وواجه الموقف في إيمان ورضا بكل شيء في سبيل أن لا تجتاحه الأهواء المضلة ، ولقد حاول الاستعمال معه كل محاولة من إغراء وتهديد حتى عزل والده في الجزائر عن عمليه واضطر مالك بن نبي أن يترك بيئته كلها وقد اتفاضت بدعوة ابن باديس ولجأ إلى مكة المكرمة فأقام بها ثم قدم القاهرة فأخرج فيها موسوعة عن الحضارة في أكر من سعبة عشر كتاباً كان يكتبها بالفرنسية ويترجمها الدكتور عبد الصبور شاهين إلى العربية ثم لم يلبث بعد أن توسعت اجتماعاته بالمسلمين في مكة والقاهرة أن حذق العربية وبدأ يكتب بها رأساً وكشف ن تلك الأزمة العاصفة التي تواجه المؤمنين الثابتين على عقائدهم في وجه الإغراء .

وقد قامت نظرة مالك بن نبي على مفهوم أسماه (القابلية للاستعمار) وقد دعا المسلمين إلى التحرز من هذا الخطر وذلك بالعودة إلى الاستمداد من مفهوم الإسلام الأصيل المحرر بالتوحيد عن وثنية العصر وماديته .. انتهى .

ندوة عن أفكاره :
وقد أقيمت ندوة دولية في ماليزيا سنة 1991م عن فكر مالك بن نبي وأطروحاته تحدث فيها كل من : أنور إبراهيم وزير المالية الماليزي والدكتور عبد الله عمر نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ونوقشت فيه أوراق عمل لكل من : أسماء رشيد من باكستان عن مقارنة الفكر الاقتصادي لدى كل من العلامة محمد إقبال خاصة كتاب (علم الاقتصاد) ومالك بن نبي خاصة كتابه (المسلم في عالم الاقتصاد) والورقة الثانية للدكتور عمار الطالبي من الجزائر وموضوعها (فكر مالك بن نبي وعلاقته بالمجتمع الإسلامي المعاصر) والورقة الثالثة للدكتور ظفر إسحاق الأنصاري من باكستان وموضوعها (رؤية مالك بن نبي وتقويمه للتيارات الفكرية والسياسية المختلفة التي تكمن وراء الأوضاع الراهنة في العالم الإسلامي) .
أما الورقة الرابعة فهي للبروفيسور محمد كمال حسن من ماليزيا وموضوعها (تأملات حول بعضها أفكار وأطروحات مالك بن نبي) .
أما الدكتور عبد الصبور شاهين أبرز من ترجموا مؤلفات مالك بن نبي من الفرنسية إلى العربية فقد قال : إن حياة مالك بن نبي ككاتب ومفكر عرفت طورين رئيسيين : طور ما قبل مصر ، حيث كان يعيش ما بين بلاده الجزائر ، وفرنسا التي تعلم فيها ، والطور الثاني يبتدئ بقدومه إلى القاهرة سنة 1956م ، حيث ابتدأت رحلته كمفكر إسلامي نتيجة احتكاكه برجال العلم والفكر الإسلامي ، وبدأ يتعرف على مصادر الثقافة الإسلامية الأصلية .
كما كانت صلته الطيبة برجال الحكم بمصر آنذاك مجالاً متنفساً للكتاب الإسلامي في ذلك الوقت حيث أن السلطات الثورية ، كانت قد ضربت حصاراً على الكتاب الإسلامي إبان حملتها الشرسة على الحركة الإسلامية. مضيفاً أنه في هذا الإطار كان يسرب كل ما يترجمه لمالك بن نبي إلى الشهيد سيد قطب داخل السجن .
إن مالك بن نبي – رحمه الله – كان أحد عمالقة الفكر الإسلامي في هذا العصر ، وقد قدم الفكرة الإسلامية ، وأحسن عرضها على جماهير الأمة الإسلامية خاصة شبابها الذي ترك فيهم الآثار الطيبة .
ومهما كان في هذه الأفكار من ملاحظات فهي بمجموعها تشكل رافداً من روافد الفكر الإسلامي المعاصر يمد الشباب بالزاد الفكري الذي يقف في وجه الأفكار المستوردة من الشرق والغرب على حد سواء .
رحم الله الأستاذ مالك بن نبي وجزاه الله عما قدم خير الجزاء .

من كتاب من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة – المستشار : عبد الله العقيل

الشيئية في فكر مالك بن نبي وعبدالوهاب المسيري

أحب أن أشارك في هذه الندوة بمزاوجة لنظرة المفكر الكبير مالك بن نبي( الجزائري )بنظرة الدكتور
المسيري (المصري) رحمهما الله، فيما يخص ما اشتركا في تسميته بـ "الشيئية"
فمالك يقول إن لحظة الأزمة في مجتمع ما تحدث حينما يكون في عالمه الثقافي انقطاع لحبل التوازن لصالح طغيان عنصر من العناصر الثلاثة (الأشياء، الأشخاص، الأفكار).* كما يستخدم مصطلح الشيئية ليقرر أنها قد تكون في المجتمع المتقدم والمتخلف: "ففي بلد متخلف يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته ... أما في البلد المتقدم فإن الشيء يسيطر بسبب وفرته وينتج نوعا من الإشباع .... وذلك بالهروب إلى الأمام الذي يدفع الإنسان المتحضر دائما إلى تغيير إطار الحياة والموضة ... فالشيء يطرد الفكرة من موطنها حين يطردها من وعي الشبعان والجائع"
أما المسيري ومن خلال تتبعه لكثير من الظواهر المحيطة في المجتمع فهو يؤكد إفلاس الحضارة المادية الحالية من الأفكار وتمركزها التام حول الأشياء فعدد الأقواس الصفراء (علامة ماكدونالد) أكثر في المجتمعات الغربية من عدد الصلبان !! بل إن الإنسان الذي من المفترض أن يكون محور هذه الحضارة أصبح مجرد آلة تأكل لتعمل وتعمل لتأكل فيقول: " ألن يتحول هذا الإنسان إلى إنسان وظيفي متكيف لا توجد في حياته خصوصية أو أسرار، إنسان قادر على تنفيذ كل ما يصدر إليه من أوامر دون أن يثير أي تساؤلات أخلاقية أو فلسفية؟"
اخترت أن أضرب مثلا لأمزج بين هذين المفكرين من خلال نظرتهما المشتركة لما أسمياه بالشيئية، وإن كنت اعلم أن المشترك بينهما أكثر بكثير من هذا। وهنا أحب أن أشير إلى إعجابي الشديد بطريقة تحليلهما للظواهر الاجتماعية وفق نماذج ومعادلات يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى تصور دقيق وتنبأ بالمستقبل للعديد من موجات الحراك الاجتماعي التي تظهر بين الفينة والأخرى.

بقلم : م حسن الحازمي

***********

هامش1: هذه المزاوجة اقدمها ضمن مبادرة امة واحدة

هامش: يرجي مشاهدة فيديو استراتيجية الريادة علي يمين المدونة

لفهم نظرية الافكار والاشخاص والاشياء


تقديم كتاب شروط النهضة ...مالك بن نبي

العنوان: شروط النهضة
المؤلف:
مالك بن نبي
الناشر: دار الفكر المعاصر، 2006
عدد الصفحات: 176
تقديم: حسن الحازمي - مدونة مدرسة الحياة


هدف هذا الكتاب هو فتح آفاق عملية للوصول لنهضة عربية وإسلامية كما يذكر د عبد العزيز الخالدي في تقديمه للكتاب। خرج الكتاب أولاً بالفرنسية في 1948م ثم بالعربية في 1957 م।





الباب الأول بعنوان الحاضر والتاريخ و بدأه بأنشودة رمزية ثم تحدث عن دور الأبطال وركز فيه على الاستعداد للتضحية بعيدا عن البحث الحقيقي عن ثمرة هذه التضحية أو السعي لإزالة الأسباب المؤدية للحاجة إلى هذه التضحية، كما ذكر أن "مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته".
المبحث الثاني في هذا الباب عن دور السياسة والفكر وتحدث عن اثر الكلمة ووجوب توظيفها للانتقال من جرأة فرد إلى ثورة شعب، ومن قوة رجل إلى تكاتف مجتمع. ومما ورد فيه "إن تكوين الحضارة كظاهرة اجتماعية إنما يكون في الظروف والشروط التي ولدت فيها الحضارة الأولى".
دور الوثنية ويركز أولا على الزوايا والأضرحة التي كانت تملئان البلد ثم الانتقال إلى "الزوايا ذات الطابع السياسي والأصنام المزوقة بأسماء جديدة" ومن الكلمات الجميلة التي وردت "غير نفسك تغير تاريخك" و "لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة ونسينا الواجبات" و قوله: "(إننا نطالب بحقوقنا) تلك الحقوق الخلابة التي يستسهلها الناس فلا يعمدون إلى الطريق الأصعب : طريق الواجبات."
الباب الثاني: المستقبل وبدا بأنشودة رمزية ثم من التكديس إلى البناء، وذكر فيه "ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أو مهنته. فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية، بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة والوعظ...الخ على حين أن كل هذا التشخيص لا يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدث عن أعراضه. وقد نتج عن هذا أنهم منذ مائة عام لا يعالجون المرض، وإنما يعالجون الأعراض"
"لقد دخل المريض إلى صيدلية الحضارة الغربية طالباً الشفاء، ولكن من أي مرض ؟ وبأي دواء ؟ و بدهي أننا لا نعرف شيئاً عن مدة علاج كهذا، ولكن الحالة التي تطرد هكذا تحت أنظارنا منذ نصف قرن، لها دلالة اجتماعية يجب أن تكون موضع تأمل وتحليل. وفي الوقت الذي نقوم به بهذا التحليل يمكننا أن نفهم المعنى الواقعي لتلك الحقبة التاريخية التي نحياها، ويمكننا أيضاً أن نفهم التعديل الذي ينبغي أن يضاف إليها." "إن الحضارة هي التي تلد منتجاتها ومن السخف أن نبني حضارة بشراء منتجاتها" و "الحضارة الشيئية – التكديس"
وكمهندس نجده يعرض حله من خلال معادلة:
إنسان + تراب + زمن، إضافة إلى الدين كعامل مساعد = حضارة
فمشكلة النهضة عنده تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، ومشكلة التراب، ومشكلة الوقت، فإقامة نهضة لا يكون بتكديس المنتجات، وإنما بحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها.
تحدث بعدها عن الدورة الخالدة فكما يمر الإنسان في حياته بمراحل متعددة من الطفولة والصبا والشباب والقوة ثم الشيخوخة ثم الموت، كذلك تمر الحضارات بمراحل ثلاث:
فهناك مرحلة الإقلاع، ثم مرحلة البنيان والتمدين، ثم مرحلة الهبوط من هذا السقف التمديني وصولا إلى الانحطاط الحضاري.
العدة الخالدة ويقصد بها الوقت = الزمن = ساعة العمل.
كما يفرد فصلا طويلا للحديث عن أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة من خلال تتبع فلسفي وتاريخي لهذه النقطة، فأكبر نقص في الفكر الماركسي هو تجاهله لهذه النقطة، فالدين هو المروض الأقوى للروح.
في عرضه لشروط النهضة ركز على الإنسان وفصل في طريقة النهوض به من خلال توجيهه في نواحي ثلاثة :توجيه الثقافة وتوجيه العمل وتوجيه رأس المال.
توجيه الثقافة ويفصل في الفرق بينها وبين العلم ويعرف الثقافة بأنها "هي مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، فهي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته."
ولتوجيهها نحتاج إلى التوجيه الأخلاقي و التوجيه الجمالي و المنطق العملي ويقول في الحديث عن المنطق العملي: "إن الذي ينقص ليس منط الفكرة، ولكن منط العمل والحركة، فهو لا يفكر في العمل، بل ليقول كلاما مجردا أكثر من ذلك। فهو أحيانا يبغض أولئك الذين يكرون تفكيرا مؤثرا، ويقولون كلاما منطقيا من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط."
وتوجيه الصناعة بمعناها الشامل عند ابن خلدون – ثم أهمية المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في بناء الحضارة وكيف نحتاجهما معا وإلا حصل السقوط لإبراز الجمال وضياع الخلق. وكعادته وضع معادلة: مبدأ أخلاق + ذوق جمالي = اتجاه حضاري.
بعدها يحتاج الإنسان لتوجيه العمل ويضرب مثلا بأول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وصل المدينة "بناء المسجد" العمل بشعار "كل جهد يستحق أجرا" و قوله "فلنكرم اليد التي تمسك بالمبرد فمنها ستنبثق المعجزات التي ننتظرها".
كما نحتاج لتوجيه رأس المال ويفرق هنا بين الثروة ورأس المال المتحرك والمستثمر.
يعرض مشكلة المرأة و التطرف في الجانبين من اختزال للمرأة في الفراش أو مطالبتها بالعمل لكسب عيشها كالرجل. ويتحدث عن مشكلة الزي وعن الفنون الجميلة.
العنصر الثاني للحضارة كما يرى هو التراب وحين يتكلم عن التراب لا يبحث في خصائصه وطبيعته، ولكن يتكلم عن التراب من حيث قيمته الاجتماعية، وهذه القيمة الاجتماعية للتراب مستمدة من قيمة مالكيه، فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة، وحضارتها متقدمة، يكون التراب غالي القيمة، وحيث تكون الأمة متخلفة يكون التراب على قدرها من الانحطاط، كما تحدث عن تفريطنا في هذه الأرض بكل ما فيها، وركز على حاجتنا للحفاظ عليها فهي عماد حضارتنا.
العنصر الثالث عنده هو الوقت فيقول: " وحينما لا يكون الوقت من أجل الإثراء أو تحصيل النعم الفانية، أي حينما يكون ضرورياً للمحافظة على البقاء، أو لتحقيق الخلود والانتصار على الأخطار، يسمع الناس فجأة صوت الساعات الهاربة، ويدركون قيمتها التي لا تعوض، ففي هذه الساعات لا تهم الناس الثروة أو السعادة أو الألم، وإنما الساعات نفسها. فيتحدثون حينئذ عن (ساعات العمل)، فهي العملة الوحيدة المصقلة التي لا تبطل، ولا تسترد إذا ضاعت، إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع، وأن يجدها المرء بعد ضياعها، ولكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تحطم دقيقة، ولا أن تستعيدها إذا مضت."
مباحث صغيرة يختم بها مالك عرضه لشروط النهضة من خلال الحديث عن الاستعمار والشعوب المستعمرة و نظر كل منهما للآخر.
كما يذكر قاعدته الذهبية التي عُرف بها وهي معامل القابلية للاستعمار: "لكيلا نكون مُستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار".
ويختم بمشكلة التكيف الذي يحصل من كثير من الشعوب التي تتكيف مع الاستعمار، فيكون البحث هنا وهناك عن حلول ليست حقيقية وإنما هي أوهام الرجل الوحيد والحل الوحيد وننسى المشكلة الرئيسية التي هي مشكلة الحضارة أولا وقبل كل شيء.
وبهذا يختم كتابه الذي تبرز فيه عاطفة من يريد الخير للبشرية جميعا فرحمك الله يا مالك.
27/6/2009
4/7/1430
قولد كوست - استراليا
************************
تقديم: م. حسن بن شوقي جعبور الحازمي
عضو هيئة التدريس بكلية الهندسة - جامعة جازان
مبتعث لدرجة الدكتوراه - جامعة جريفث قولد كوست , استراليا

كتاب سعيد النورسي .. حركته ومشروعه الإصلاحي في تركيا


سعيد النورسي .. حركته ومشروعه الإصلاحي في تركيا


تأليف : د. آزاد سمو
عرض : حواس محمود

يتناول المؤلف حياة العلامة بديع الزمان سعيد النورسي ومشروعه الإصلاحي في تركيا. يشير المؤلف الى أن العديد من الكتاب والباحثين قد تناولوا جوانب متعددة من حياة وفكر وجهاد النورسي، ولكن مع ذلك فهنالك الكثير من الجوانب الأخرى التي هي بحاجة للبحث والدراسة لم يتناولها الباحثون الذين درسوا تجربة النورسي وبحسب المؤلف فانه لا يمكن دراسة تاريخ تركيا خلال القرن العشرين .
بعيدا عن ذكر الاستاذ النورسي ودوره المؤثر والواضح في الكثير من الأحداث التي شهدتها تركيا خلال القرن المنصرم، وما تتميز به شخصية النورسي هو انها تستوقف قارءها أكثر من غيرها من الشخصيات، فالأستاذ النورسي يتميز عن غيره بتأثيره العجيب على الشخص المقابل، ولا زال تأثيره باقيا على من يطالع رسائلـــــه ( رسائل النور) وكذلك طريقته وأسلوبه في العيش وتعامله مع الآخرين وشخصيته التي جمع فيها عدة شخصيات.
إن ماتم التركيز عليه من قبل المؤلف وما افتقدته الدراسات الأخرى هو الجانب الحركي والتنظيمي وهي من الجوانب المهمة في حياة النورسي، وكذلك كرديته واهتمامه بشعبه الكردي وإصلاحاته داخل المجتمع الكردي جانب لا يقل أهمية عن الجوانب الأخرى، لقد عاصر الاستاذ النورسي مرحلتين من مراحل الحكم في تركيا وهما مرحلة حكم السلاطين ومرحلة الجمهورية، وقد قضى الاستاذ النورسي ( 48) سنة من عمره في المرحلة الأولى في عهد سلاطين آل عثمان، فالأستاذ النورسي ولد سنة 1293 هجرية 1876م أي نفس السنة التي تولى السلطان عبد الحميد الثاني عرش السلطنة، كما عاصر كلا من السلطان محمد الخامس ومحمد السادس، والسلطان عبد المجيد الثاني الذي يعد آخر السلاطين العثمانيين، فقد ألغيت الخلافة الإسلامية في عهده، أما السنوات المتبقية من عمر النورسي وهي ( 36) عاما فقد قضاها في ظل الحكم الجمهوري في تركيا.
ويعرف المؤلف حركة النور أو حركة رسائل النور التي أسسها النورسي بأنها جماعة إسلامية إصلاحية أسسها الأستاذ سعيد النورسي في كردستان تركيا، تتلقى تعليماتها من نور القرآن الكريم وهدفها إبراز مزايا القرآن الكريم، وإنقاذ البشر من الزيغ والضلال، وتجدر الاشارة إلى أن حركة النور هي نسبة إلى كلمة ( النور) وليست الى النورسي مؤسس الحركة، كما يتوهم البعض، يحدد المؤلف سنة 1899 م كبداية لمرحلة جديدة من مراحل عمر الحركة وهي بداية الانعطاف في مسيرة النورسي الدعوية والإصلاحية، وفيما يتعلق بمشروعه الإصلاحي يشير المؤلف إلى جانبين من الإصلاح هما إصلاح الفرد وإصلاح المجتمع.
لقد سلك النورسي في إصلاح المجتمع مسلك الأطباء في معالجتهم للمرض، فكما يقوم الطبيب في بداية الأمر بتشخيص المرض فإذا اكتشفه تمكن من اختيار الوصفة الطبية المناسبة لذلك المرض بكل يسر وسهولة، كذلك قام النورسي في بداية الأمر بتشخيص علة المجتمع فحددها بست علل وبعد تشخيصها حدد لكل علة من تلك العلل الدواء الناجع، ويشير المؤلف إلى أن النورسي قد تحدث عن أخطر العلل في الخطبة الشامية التي ألقاها في الجامع الأموي بدمشق سنة 1911 م بقوله: “ لقد تعلمت الدروس من مدرسة الحياة الاجتماعية، وعلمت في هذا الزمان والمكان أن هناك ستة أمراض جعلتنا نقف على أعتاب القرون الوسطى في الوقت الذي طار فيه الأجانب وخاصة الأوروبيين نحو المستقبل، وتلك الأمراض هي :
أولا : حياة اليأس الذي يجد فينا أسبابه وبعثه.
ثانيا : موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.
ثالثا : حب العداوة.
رابعا: الجهل بالروابط النورانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.
خامسا : سريان الاستبداد سريان الأمراض المعدية المتنوعة.
سادسا : حصر الهمة في المنفعة الشخصية “.
ويتناول النورسي الاستبداد ويرى أن سبل ووسائل مواجهة الاستبداد هي النقاط التالية :
أولا : الدعوة الى الحرية ونشرها بين الناس.
ثانيا : تطبيق الشورى والديموقراطية في الحكم.
ثالثا : الفصل بين السلطات.
رابعا : خضوع الحاكم للمراقبة والمحاسبة.
خامسا : الابتعاد عن الأنانية.
ومعظم هذه السبل التي حددها النورسي نتلمس الحاجة اليها في أيامنا المعاصرة، وعموما الكتاب جدير بالقراءة والمتابعة لمفكر إسلامي نهضوي ( قليلة هي الدراسات العربية عنه وعن مشروعه الإصلاحي ) عاش حياة عاصفة مليئة بالمتاعب والهموم على يد السلاطين وفيما بعد المنفى والتشرد على يد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة العلمانية في تركيا.


هامش :

الكتاب : سعيد النورسي حركته ومشروعه الإصلاحي 1876- 1960
المؤلف : د. آزاد سمو
الناشر: دار الزمان دمشق ط1 2008
الصفحات 344 ق كبير

Friday, November 20, 2009

الإنطلاقات الحركية وإشكالياتها


بقلم : محمد مصطفى – يقظة فكر
1- مفهوم الانطلاق الحركى .
2- العقائد ( المرجعيات العليا ) .
3- الايديولوجيا .
4- الاستراتيجية الحركية ( منهج العمل ) .

لقد شهدت بلادنا منذ بدايات القرن الماضى بزوغ الكثير من الحركات ، سواءً كانت هذه الحركات متمحورة حول قضايا التحرر الوطنى ، أو حول قضايا سياسية ، أو فكرية ، أو دعوية ، أو قضايا الإصلاح العام فى المجتمع ، هنا أتعرض سريعاً لأهم أشكال الانطلاقات الحركية ، و الإشكاليات التى تواجه هذه الانطلاقات ، ذلك أننا – اليوم – فى بلادنا – نحتاج إلى حركات تنويرية واعية ، تعمل فى كافة المجالات ، مستفيدةً من التاريخ الحركى الذى سبقها ، قادرةً على تلافى السلبيات و الأخطاء التى وقعت فيما مضى .
1- مفهوم الانطلاق الحركى :ما أقصده بالإنطلاق الحركى ؛ المنظومة التى تعتمدها الحركة – أياً كان تخصصها – فى نشاطها العام مع المجتمع و الأطراف الأخرى التى تحتك بها ، و هذه المنظومة تتشكل من ثلاثة أركان أساسية هى المنطلقات ، الوسائل ، الغايات و الأهداف .
المنطلقات : و هى النقاط الابتدائية – أو كما نسميها الثوابت – التى تضعها الحركة لنفسها ، و تحدد على أساسها الأهداف التى تريد الوصول إليها انطلاقاً من هذه الثوابت ، و الوسائل التى ستمكنها من الوصول إلى هذه الأهداف .
الوسائل : هى كافة السبل و الطرق الممكنة التى تسلكها الحركة فى إطار ثوابتها و ضوابطها للوصول إلى أهدافها و غاياتها .
الأهداف : وهي الأهداف المرحلية لكل مرحلة من مراحل العمل ، طبقاً لخطة هذه المنظمة أو الحركة ، كما أقصد أيضاً الغايات النهائية ، و التى تحقيقها يعنى نجاح الحركة الكامل ، و فى بعض الأحيان يعنى عدم ضرورية وجود الحركة أصلاً ।




2- العقيدة ، و الانطلاق العقدى :إذا أردنا أن نكشف فى المعجم عن الأصل اللغوى لكلمة عقيدة ، سنجدها فى مادة ( ع – ق – د ) ؛ باب العين فصل القاف مع الدال .
و من ذلك يمكننا أن نعرف العقيدة لغةً ؛ بأنها الشئ الذى يعقد عليه ، و العقد هو أعلى درجات الرباط .و تحتاج العقيدة لتتكون بهذا الشكل ثلاث مراحل :
أ‌- مرحلة عقلية : هنا تحدث قناعة عقلية تامة بمبادئ و أصول هذه العقيدة .
ب‌ مرحلة إيمانية قلبية : هنا تتمثل هذه القناعة فى عاطفة إيمانية صادقة .
ت‌- مرحلة سلوكية : هى نتيجة طبيعية لهذه لعاطفة الحقيقية ، و هنا نجد أن الإيمان بهذه العقيدة متمثل فى تصرفات الإنسان و سلوكياته .

للعقيدة خصيصيتان فى منتهى الأهمية :
1- قد تكون العقيدة عبارة عن فكرة بسيطة ، أو عدة أفكار مركبة ، فتركيبية الأفكار ليست شرطاً من شروط العقائد
.2- العقائد لا تخضع – مطلقاً – للتغيرات المجتمعية الزمانية أو المكانية ، و على ذلك فإنه يمكننا أن نقول أن العقيدة تتجاوز الزمانية و المكانية .
و هاتان الخصيصيتان هما من أهم مايميز العقيدة عن الايديولوجيا ، و سنتعرض لذلك بالتفصيل فيما بعد .

كما أن العقائد لها معايير كمية ، فهناك من يعتقد فى شئ بنسبة 30 بالمائة ، و هناك من يعتقد فى نفس الشئ بنسبة 90 بالمائة ، و من هنا نستطيع تفسير قول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) لصحابته ؛ ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاة أو صيام ، و إنما سبقكم بشئ وقر فى قلبه ، مع أن الصحابة كانوا مؤمنين ، إذن فهناك معنى آخر – توحيه إلينا كلمة سبقكم – ذلك المعنى فى رأيى هو المعيار الكمى .
و للعقائد أمثلة كثيرة نذكر منها :
1- الاعتقاد فى وحدانية الله : يقول الله تعالى ” ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق و لعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ” صدق الله العظيم .
2- الاعتقاد فى المبدأ الحلولى الكمونى ؛ و الذى يبين لنا أن الإله قد حل تماماً فى الكون ، وبذلك فإن المرجعية النهائية – التى كان الإله مركزها – أصبحت كامنة فى هذا الكون حالةً فيه ؛ و من هذه العقيدة تولدت العديد من الايديولوجيات و الفلسفات الغربية ؛ خاصة فيما عرف بعصر التنوير بأوروبا .
3- الاعتقاد فى أن الإله قد حل فى إرادة الشعب : و هو ما أسس للفكر الماركسى و الثورى بشكل عام .
4- الإعتقاد فى أن المسيح هو ابن الله .
و غير ذلك الكثير و الكثير من العقائد التى مر بها التاريخ البشرى .
الانطلاق الحركى من العقائد فحسب ، بمعنى الانطلاق المباشر من العقيدة قبل صياغة الإيديولوجيا ، أو تحديد الاستراتيجية ، يؤدى ذلك إلى ظهور حركات تتميز بقدر عالٍ من الحماس ، و لكنها تفتقر إلى النضج الفكرى و الحركى .
تعرف هذه المرحلة ؛ بمرحلة الصحوة .يمكن التمثيل على ذلك ؛ بالحركات الإسلامية فى السبعينيات و الثمانينيات فى مصر .
3- الأيديولوجيا :
يمكننا أن نعرف الأيديولوجيا ؛ بأنها مجموعة من الأفكار التى تتعاقد و تتشابك لتنتج ما يعرف ” بالمنهج الفكرى المرجعى ” ، الصالح لمرحلة زمنية معينة ، بمكان و واقع معين .
و المنهج الإيديولوجى ؛ هو منهج تطرح فيه الإشكاليات الفكرية المثارة ، كما تطرح الرؤى و الحلول التى تتبناها الحركة و المنظمة .
كيف تصاغ الأيديولوجيا ؟
1- بدايةً ؛ تحتاج الأيديولوجياإلى عقيدة واضحة ترتكز عليها ( و هى التى تحدد الثوابت ) .
2- بالإضافة إلى الأفكار النظرية التى تعتمد على طبيعة المكان و الزمان ( الرؤى الحالية ) .
3- و تحتاج لصياغتها إلى وجود منظرين فاعلين ، يعملون على الربط بين المبادئ العقدية ” الثوابت ” و الأفكار النظرية ” الرؤى ” .

انتشار المنهج الأيديولوجى : يعتمد المنهج الأيديولوجى فى انتشاره فى المجتمع على عدة عوامل من أهمها :1- العقيدة التى يستقى منها ذلك المنهج ، و تواجدها فى المجتمع بمعياريها الكيفى و الكمى ، فالمجتمعات الإسلامية أكثر تقبلاً للأيديولوجيات المستقاة من عقائد إسلامية ( المعيار الكيفى ) ، و المجتمعات الأكثر تمسكاً بالإسلام و مبادئه ستصبح أكثر قابلية لانتشار الايديولوجيات الاسلامية وسطها عن المجتمعات الأقل تمسكاً بالإسلام ( المعيار الكمى ) .
2- ملائمة الأفكار النظرية الموضوعة ( الرؤى ) للواقع و إشكالياته .
3- فعالية منظرى ذلك المنهج الايديولوجى فى صياغته ، و توصيله للشرائح المختلفة فى المجتمع.

كما نذكر ؛ أنه من أهم خصائص المنهج الأيديولوجى الواضح و الواقعى ؛ أنه يضمن إلى حد كبير الوحدة الفكرية بين أبناء الحركة أو المؤسسة المتبنية لهذا المنهج ، و ذلك دون الوقوع فى إشكالية القولبة ، ذلك أن المنهج الواضح يمكننا من تحديد الأطر جيداً ، و التمييز بين الثوابت و الرؤى الحالية ( الزمانية و المكانية ) .
الإنطلاق الحركى المباشر من الأيديولوجيا ( دون تحديد إستراتيجيات حركية واضحة ) يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى عام ، و لكنها تفتقر إلى النضج و الوعى الحركىو ذلك ما يؤدى – فى الغالب – إلى ظهور نتائج أقل من المتوقعة ، و هو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى انخفاض مستوى الحماس العام بين أفراد الحركة أو المؤسسة ।



4- الإستراتيجية الحركية ” آليات العمل ” :
يمكن أن نعرف الإستراتيجة ؛ بأنها مجموعة من الخطوات المتتالية ، المخطط لها مسبقاً من قبل حركة أو منظمة .أما الحركية : فهى تتعلق بنوعية التخصص و المجال الذى تعمل به الحركة أو المنظمة ، فإذا كانت تعمل مثلاً فى المجال السياسى ، نستطيع أن نتحدث عن الاستراتيجية السياسية .
تعتمد الاستراتيجية الحركية على المنهج الأيديولوجى الذى تتبناه المنظمة أو الحركة ؛ بثوابته العقدية الفلسفية و رؤاه الحالية ( الزمانية و المكانية ) .
2- القاعدة الجماهيرية لهذه المنظمة .
3- موازين القوى على صعيد العمل النوعى التخصصى الذى تعمل المنظمة من خلاله .
4- المناورات و التكتيكات الحركية ، و ضوابطها النوعية و الكمية ، طبقاً لايدولوجية المنظمة .

الإنطلاق الحركى من الإستراتيجية الحركية المرتكزة إلى أيديولوجيا حقيقية يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى و حركى .و هو ما يؤدى فى الغالب إلى ظهور نتائج إيجابية ، و بالتالى فإن هذه المرحلة تتميز بجماس عالٍ نظراً لإيجابية النتائج .
مثال : حزب العدالة و التنمية التركى ؛ نجد أنه يتميز بعقيدة راسخة ، و ايديولوجيا واقعية ، كما أنه يمتلك استراتيجية حركية متميزة .
مقارنة تجميعية بين الأشكال المختلفة للانطلاقات الحركية:


Saturday, November 7, 2009

ادب الاختلاف ...غزلان والقرضاوي نموذجا

غزلان والقرضاوي
اختلاف مشروع ام تفرق مذموم ؟

الحقيقة هالني ما هالني حين عدت للاجازة لاسمع من بعض الاصدقاء ان الدكتور غزلان قد رد علي العلامة يوسف القرضاوي
بخصوص ما قاله في الموضوع المتعلق بالدكتور عصام وخاصة ان رد الفعل كان مبالغا فيه فصدمني قبل ان اقرأ
في البداية تألمت الما شديدا
لان بالنسبة لي كلاهما شكل لي جزءا كبيرا من فكري وتربيتي
واتذكر جيدا ان اول كتااب اقرأه للقرضاوي كان من مكتبة الدكتور محمودغزلان وفي منزله وان الدكتور محمود كان من اوائل من نصحني بقرأة كتب القرضاوي

وهذا يجعل من الصعب جدا لدي ان اتحيز لاحدهما دون الاخر او ان ادافع عن رأي احدهما دون الاخر
فهما لي كأب وجد ومشاعري تجاههما مشاعر ابن نحو ابيه وجده

ويصعب علي ان اقوم بالتعليق علي موضوع مثل هذا يتحدث فيه استاذ عملاق كالقرضاوي وتلميذ نجيب له كغزلان والذي بدوره هو استاذ لجيل يليه

وكنت قد قررت منذ فترة الا اكتب عن الاخوان بشكل مباشر لاسباب عديدة لا نقدا ولا مدحا ولا دفاعا ولا هجوما لاسباب ليس هنا محل شرحها ولا مجال عرضها وأثرت ان اكتب دائما بشكل عام عن الحراك الموصوف بالاسلامي والاخوان هم جزء منه بالتبعية

واليوم انا لن اغير قراري او ابدل مبدأي في عدم الحديث فانا لن اعرض رأيي في مسألة الدكتور عصام عريان
وانما سأتحدث عن الاختلاف الذي ظهر علي صفحات الجرائد بين غزلان والقرضاوي وسأسميه الحوار المتبادل وليس الاختلاف احتراما لكلاهما وتقديرا لحجمهما
**************
اولا : المتابع للساحة في الفترة السابقة يجد ان هناك حوارا تم تبادله سابقا بين الدكتور غزلان والمهندس يوسف ندا ووقتها ربما لم تسنح لي الفرصة للكتابة حوله ولو سنحت لم اكن لاكتب علي الرغم انه قد احزنني بعض ما ورد في الحوار وان كنت سعيد بحدوث تلك التجربة الحوارية علي مالها من سلبيات وحزين للغاية للطريقة التي دافع بها بعض الشباب عن الاول او الثاني وقليل من استطاع تقييم الحوار بشكل علمي بعيدا عن الشخصنة او الدفاع والهجوم * وقد وجب الاشارة الي هذا الحوار للدلالة علي ان حديثنا اليوم ليس عن حوار هو الاول من نوعه

وان كنت اري اختلافا جوهريا بين الحوارين وهو ان الاول كان يدور بين فردين من داخل التنظيم وكلاهما يعبر عن رأيه الشخصي وليس رأي الاخوان اما الحوار الثانني فهو بين عضو في التنيظم وفرد من خارج التنظيم

ورؤيتي لكلا الحوارين تدور علي انهما نماذج لترشيد فقه الاختلاف والتعلم ن اخطاء السابقين ودل علي هذا تطور لهجة الخطاب في حوار غزلان والقرضاوي عنه في حوار غزلان وندا
وانا هنا لست في صدد تقديم مقارنة بين الحواريين وان كان الحواريين يستحقا بالفعل ان يقارنا ليلاحظ التطور في ادبيات الحوار وفقه الاختلاف
*******************
بداية : اردت بكتابة تعليقي هذا ان لا يخوض شباب الحركة المبدعين والمفكرين من اصحاب الطاقات الابداعية في خلافات ما بين مدافع عن او مهاجم لـ وان لا تقوم معركة بما يسميهم الاعلاميين بالاصلاحييين والمحافظين لاني اؤمن ان كل اصلاحي يريد تجديد الوسائل دون المساس بالثوابت الشرعية فهو محافظ وكل محافظ يريد حفظ ثوابت دينه فهو اصلاحي ولابد من كلاهما المجدد للوسائل والمحافظ علي الثوابت لتكون حركة التجديد قد تعدت افة الجمود وابتعدت عن افة التطرف واتخذت بين ذلك سبيلا وسطا
***

ساقوم اولا بوضع مجموعة من المقاطع من كلا المقالين معنونين في خمس نقاط واختم في السادسة بتلخيص موجز والله المستعان

النقطة الاولي : تحديد الحجم الادبي

غزلان : ما كنت أتصور أن يأتى اليوم الذى يرد فيه مثلى على مثلك، وأنا أعتبر نفسى من تلاميذك الذين نهلوا من فيض علمك، ودرسوا كثيراً من كتبك، وتأثروا بمنهجك ومذهبك،
ولا أحسب أحداً من الإسلاميين فى هذا الزمان إلا ويقر بفضلك ويقدر جهدك واجتهادك وفكرك وفقهك، وبقدر هذه المكانة الكبيرة فى نفوسنا

القرضاوي : ما كنتُ أحسب أن تصريحى لجريدة «الشروق» القاهرية سيُحدث كلَّ هذا الزلزال والتداعيات، وقد حُمِّل أكثر مما يحتمل، وحُمِّل ما لا يحتمل،
أنا لم أكتب مقالة، أو بحثا عن الإخوان، بل صرَّحت تصريحا، كان جوابا عن سؤال، فيجب أن يؤخذ فى سياقه وسباقه.

النقطة الثانية : تحديد النية الصالحة

غزلان : ولقد انتظرنا عدة أيام لعلك تكذب هذه التصريحات إلا أن فضيلتك لم تفعل، ومن ثم كان لزاماً علينا أن نتوجه إليك بالنصيحة التى هى الدين، كما علمنا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وبالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأنت خير من يعلم حكمهما الشرعى


القرضاوي : أردتُ بتصريحى لصحيفة «الشروق» أن أُحدث هزَّة فى الإخوان، تخرجهم من الركود،
ولم أُرد الإساءة إلى أحد من مكتب الإرشاد الحالى،
لا أظنُّ بالجميع إلا خيرا، فهذا هو شأن المسلم، وهذا شأنى مع كلِّ الناس، فكيف بجماعة تقوم على تجديد الدين، والنهوض بالأمة، ونشر الدعوة، وتربية الأجيال على الإسلام. لا يمكن أن أظنَّ بها السوء،


النقطة الثالثة : حفظ المقام وادب الحوار

غزلان :
فضيلة الدكتور.. تعلمنا منك كثيراً من المبادئ والقيم والأفكار والأخلاق والأحكام
لا أخال فضيلتك تجهل أن الإعلام ـ علاّمة مثلك - يا صاحب الفضيلة - هل علمت يا سيدى لماذا كانت صدمتنا عظيمة وحسرتنا فادحة!
- ظلم ذوى القربى أشد مضاضة –
القضية يا سيدى إن فضيلتك من أكثر العلماء دعوة للالتزام بالشورى - فضيلتك
إننا يا سيدى لا نقف فى وجه أحد من الإخوة- إننا كنا ننتظر من فضيلتك أن تعرف الحقيقة كاملة أولاً

فإننا ننتظر من فضيلتك بمقتضى مقام العلم وكرامة الدعوة وفضيلة الخلق أن تصحح ما حدث، فمازال الكثيرون يتوقعون من فضيلتك درساً بليغاً بلسان الحال والمقال، ولئن فعلت ذلك فقد سبقك فيه من هو خير منا ومنك الفاروق وذو النورين رضى الله عنهما

وإذا التمسنا العذر للعامة الذين تشكل الحملات الإعلامية الظالمة وعيهم، فمثلك أكبر بكثير من أن يتأثر

القرضاوي :
فكيف بجماعة تقوم على تجديد الدين، والنهوض بالأمة، ونشر الدعوة، وتربية الأجيال على الإسلام. لا يمكن أن أظنَّ بها السوء،
هذا لا يعنى تجريد الآخرين من الفضل، فإن صيغة (أفعل التفضيل) كما تعلَّمنا فى (النحو): تستوجب اشتراك الجميع فى الأمر، وزيادة بعضهم فيه

وفى كتابى (الإخوان المسلمين سبعون عاما فى الدعوة والتربية والجهاد): الإخوان ــ على ما فيهم من عيوب، وما عليهم من ملاحظات ــ هم أفضل المجموعات الموجودة على الساحة المصرية والعربية والإسلامية، من حيث سلامة العقيدة، واستقامة الفكر، وطهارة الخلق، ونظافة اليد، والوعى بقضايا الأمة، والغيرة على حرماتها؟

الإخوة الذين علَّقوا على تصريحى بأدب وحسن خلق، أمثال د. محمود غزلان الذى أعرفه منذ زمن، ود.
أحمد عبدالعاطى، الذى لم أسعد بمعرفته، أشكر لهما حسن أدبهما وذوقهما،

نى لم أقصد الإساءة إلى أحد منهم ولا من إخوانهم. وكيف وأنا أعتبر أبناء الدعوة والصحوة كأنهم أفلاذ كبدى!
فأنا لا أقصد أىَّ أحد من الموجودين معاذ الله،

كما ليس بينى وبين أحد من الإخوان الذين اعتبرونى مضادًّا لهم أى عداوة أو خصومة، أو نفرة بوجه ما، وكلُّهم أبنائى وإخوانى،
حتى مَن انتقدتُه وشددتُ عليه فى النقد، فإنما هى شدَّة الوالد على ولده فى بعض الأحيان؛
ومَن ظنَّ من إخوانى وأبنائى أنى أسأتُ إليه، أو قسوتُ عليه، فأنا أعتذر إليه.


النقطة الرابعة :صلب الموضوع ..تقديم نقاط الاتفاق وتقليل نقاط الاختلاف
1. البعد عن الاحداث
غزلان : اتخذت موقفاً قاسياً من قضية لم تحط علماً بأبعادها وتفاصيلها،
القرضاوي : واستغرابى لسقوط العريان فى أىِّ انتخابات داخل الإخوان: استغراب مشروع، من إنسان يراقب من بعيد،
2.الظن
غزلان : أم استقيت معلوماتك من الظن؟
القرضاوي : ولا أظنُّ بالجميع إلا خيرا لا يمكن أن أظنَّ بها السوء،
3.
منطلق الحديث
غزلان : أم استقيتها من أحد الأطراف؟
القرضاوي :
وتزكيتى لعصام، إنما كانت لمعرفتى به وبمواهبه وقدراته، وليس على الإنسان أن يشهد إلا وفق معرفته: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}
4.
اتهام اعضاء المكتب
غزلان : أن تتهم أعضاء مكتب الإرشاد بخيانة الدعوة والجماعة والأمة؟
القرضاوي : ولم أُرد الإساءة إلى أحد من مكتب الإرشاد الحالى،
وتخصيص إنسان بالمدح لمناسبة لا يقتضى ذمَّ الآخرين،
هذا لا يعنى تجريد الآخرين من الفضل، فإن صيغة (أفعل التفضيل) كما تعلَّمنا فى (النحو): تستوجب اشتراك الجميع فى الأمر، وزيادة بعضهم فيه.

غزلان : أن تصف إخوانك بالمتردية والنطيحة وما أكل السبع؟
القرضاوي : وما أخذوه علىَّ من كلمة (المتردية والنطيحة)، فأنا لا أقصد أىَّ أحد من الموجودين معاذ الله،
وأحب أن أذكر: أنى لم أقصد الإساءة إلى أحد منهم ولا من إخوانهم. وكيف وأنا أعتبر أبناء الدعوة والصحوة كأنهم أفلاذ كبدى!
5.
توحيد الهدف
غزلان : ننا يا سيدى لسنا طلاب مناصب، فهى فى حالتنا ـ كما تعلم ـ خطر جسيم وعبء ثقيل
القرضاوي : يعلم الله وحده أنه لا هدف لى من وراء ما قلتُه أو أقوله، إلا وجه الله، ونصرة الإسلام، وخدمة الدعوة،

النقطة الخامسة : الختام
غزلان : فإننا ننتظر من فضيلتك بمقتضى مقام العلم وكرامة الدعوة وفضيلة الخلق أن تصحح ما حدث، فمازال الكثيرون يتوقعون من فضيلتك درساً بليغاً بلسان الحال والمقال، ولئن فعلت ذلك فقد سبقك فيه من هو خير منا ومنك الفاروق وذو النورين رضى الله عنهما.

وختاماً تقبل منا خالص الود والمحبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


:القرضاوي
كما ليس بينى وبين أحد من الإخوان الذين اعتبرونى مضادًّا لهم أى عداوة أو خصومة، أو نفرة بوجه ما، وكلُّهم أبنائى وإخوانى، حتى مَن انتقدتُه وشددتُ عليه فى النقد، فإنما هى شدَّة الوالد على ولده فى بعض الأحيان؛
اللهم إن كنتُ أحسنت فتقبَّل منى، وإن كنتُ أسأتُ فاغفر لى، ومَن ظنَّ من إخوانى وأبنائى أنى أسأتُ إليه، أو قسوتُ عليه، فأنا أعتذر إليه. وما قصدتُ سوءا بأحد: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب} [هود: 88].


**********************
تلخيصا :

اولا : تحديد النية

كلاهما اراد النصيحة(نتوجه إليك بالنصيحة -أن أُحدث هزَّة فى الإخوان، تخرجهم من الركود) وهو حق مشروع لهما علا مقام من علا وقل مقام من قل ويظل النصح المتبادل واجبا

ثانيا: تحديد الحجم الادبي

بدأ غزلان رسالته كما اسلفنا بحفظ المقام الادبي للعلامة القرضاوي (وأنا أعتبر نفسى من تلاميذك- ولا أحسب أحداً من الإسلاميين فى هذا الزمان إلا ويقر بفضلك) فجاء رد القرضاوي
يحفظ مقام غزلان والجماعة (هم أفضل المجموعات الموجودة على الساحة المصرية والعربية والإسلامية- أشكر لهما حسن أدبهما وذوقهما،)يحدد حجم الموضوع (وقد حُمِّل أكثر مما يحتمل، وحُمِّل ما لا يحتمل،- صرَّحت تصريحا، كان جوابا عن سؤال)

ثالثا : حفظ المقام الادبي

وهنا قدم كلاهما نموذجا فريدا في الاحترام المتبادل رغم الاختلاف
فنري غزلان لم يتحدث في موضع عن القرضاوي الا قائلا (ياسيدي4 مرات -فضيلتك 8 مرات –ياصاحب الفضيلة 4 مرات –ذوي القربي –علامة مثلك ) ليرد القرضاوي (الإخوة الذين علَّقوا على تصريحى بأدب وحسن خلق، أمثال د. محمود غزلان- أشكر لهما حسن أدبهما وذوقهما- وأنا أعتبر أبناء الدعوة والصحوة كأنهم أفلاذ كبدى!- وكلُّهم أبنائى وإخوانى- شدَّة الوالد على ولده- ومَن ظنَّ من إخوانى وأبنائى أنى أسأتُ إليه، أو قسوتُ عليه، فأنا أعتذر إليه.)

رابعا: صلب الموضوع

تم الرد علي الموضوع والاستفسارات التي اوردها غزلان بشكل موضوعي ومنطقي لايتعرض للاشخاص انما يستعرض الوقائع واسبابها ودوافعها ومبرراتها وكل هذا يدخل في اطار الاختلاف المشروع لا التفرق المذموم

خامسا : الختام

قدم كلاهما ختاما يليق برجال الدعوة وقادتها المخلصين فالاول
تعامل كتلميذ ينتظر ردا من صاحب مقام رفيع في العلم
والخلق
(يتوقعون من فضيلتك درساً بليغاً بلسان الحال والمقال )الثاني تحمل مسؤلية استاذيته و يقدم اعتذارا ليس عن خطأ ارتكبه بل عن ما يمكن ان يكون قد اختلج في نفوس ابنائه وفلذات اكباده من ظن (َن ظنَّ من إخوانى وأبنائى أنى أسأتُ إليه، أو قسوتُ عليه، فأنا أعتذر إليه. وما قصدتُ سوءا بأحد) فنعم الاستاذ ولنعم التلميذ

وليكن لنا في هذا علما نتعلمه وفقها نتدارسه وادبا نتخلق به في حواراتنا
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

ان اصبت فمن الله وان اخطأت فمن نفسي والشيطان

م . اسلام العدل

******
تعليق ابراهيم الهضيبي علي حوار غزلان ندا
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1239889020536&pagename=Islamyoun%2FIYALayout

مقال دكتور غزلان في جريدة المصري اليوم
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=231617

مقال دكتور يوسف القرضاوي علي موقعه
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=7338&version=1&template_id=119&parent_id=13

Monday, October 26, 2009

اضلاع مثلث الاصلاح..نظرة في فكر كولن

هذا المقال عبارة عن مقتبسات من بحث
فلسفة التعليم: السباحة في المجال الحيوي

* لد. سمير بودينار
في مؤتمر الاصلاح في العالم الاسلامي (خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية ) والمنعقد بالقاهرة في جامعة الدول العربية
ويعد دراسة لفلسفة التعليم لدي كولن باعتبار التعليم هو اللبنة الاساسية في حركته



******************
أضلاع مثلت الإصلاح:
كولن يقدم إطارا فكريا لحقل التعليم، وذلك في مستويات ثلاث تمثل مفاتح في فهم خصائص المنظومة التربوية وعناصر نجاحها في عالم اليوم، وهذه المستويات الثلات هي:
1- خاصية الإنسان وبشكل أدق ما يسميه الأستاذ كولن " الإنسان الجديد"
2- وخاصية الإسلام
3- وخاصية المرحلة أو العصر
.

وتكمن أهمية هذه المستويات الثلات في كونها العناصر الاساسية لفهم منظور الأستاذ كولن الإصلاحي الشامل، بما في ذلك مجال التعليم، وبالتالي فإن أي محاولة لفهم مشروعه الدعوي وتجلياته في حقل التعليم خاصة، لا يمكن إنجازها بمعزل عن إدراك تلك الأضلاع الثلاثة لمنطومة التغيير وفق ذلك المنظور

· الإنسان الجديد:

يقول كولن
سيولد إنسان جديد كل الجدة، إنسان يفكر ويحاسب، ويوازن ويدقق، ويعتمد على التجربة قدر اعتماده على العقل، ويثق ويؤمن بالإلهام والوجدان قدر اهتمامه بالعقل والتجربة؛ إنسان يحاول دوما بروحه وبدنه الوصولَ إلى الأفضل، ويرغب في الوصول إلى الكمال والتكامل في كل شيء. إنسان يسمو بالموازنة بين الدنيا والآخرة، ويوفق إلى الجمع بين عقله وقلبه فيصبح نموذجا جديدا لا مثيل له".
" فكما أن الشرق والغرب لن يستطيعا أسره ووضع السلاسل في قدميه، فكذلك لن تستطيع الأفكار والفلسفات التي تتناقض مع هويته المعنوية وجذوره أن تغير وجهته وتضله في ظلامها عن طريقه، بل ولن تستطيع أن تزحزحه عن مكانه قيد أنملة أو أقل من ذلك".

وهو يرسم ملامحه بهذه الصورة:
1. الإنسان الجديد رجل حر في تفكيره، حر في تصوره، حر في إرادته، وحريته هذه مرتبطة بقدر عبوديته لله سبحانه وتعالى. ثم إن الإنسان الجديد لا يتشبه بالآخرين ولا يتمثل بهم، بل يحاول جاهدا أن يتزيّى بهويته الذاتية ويتزيّن بمقوماته التاريخية.
2. الإنسان الجديد ممتلئ بالفكر، ملتهب بعشق البحث، مفعم بالإيمان، قابل للوجدانيات، متشبع بنشوة الروحانية ومعانيها... إنسان يبدي كفاءة من نوع آخر في سبيل بناء عالمه، مستفيدا من إمكانيات عصره إلى أقصى حد، متمسكا بمبادئه وقيمه الذاتية.
3. الإنسان الجديد، هو إنسان يحمل في قلبه إيـمان أجداده الأجلاّء، ويفكر تفكير أعلام حضارته العظماء، ويمتلئ مثلهم رغبة في إسماع صوته وإظهار قوة رسالته للبشرية جمعاء.
4. الإنسان الجديد يستخدم جميع وسائل الاتصالات الحديثة؛ كتباً وجرائد ومجلات، وإذاعة وتلفازاً ومنشورات للولوج إلى القلوب والنفوذ إلى العقول والدخول إلى الأرواح، ويثبت جدارته من خلالها مرة أخرى، بل ويسترد مكانته المسلوبة في التوازن العالمي من جديد.
5. الإنسان الجديد، هو إنسان عميق من حيث جذوره الروحية، متعدد من حيث ما يملكه من كفاءات صالحة للحياة التي يعيش في أحضانها. إنه صاحب القول الفصل في كل الميادين بدءا من العلم إلى الفن ومن التكنولوجيا إلى الميتافيزيقيا، وصاحب خبرة ومراس في كل ما يخص الإنسان والحياة.
6. الإنسان الجديد متشبع بحب الوجود كله، حارس للقيم الإنسانية وراصد لها. فهو من جهة يحدد موقعه وينشئ ذاته على أساس الأخلاق والفضيلة التي تجعل من الإنسان أنسانا مثاليا، ومن جهة أخرى يحتضن الوجود كله بقلبه الواسع وشفقته الشاملة، ويسعى دائما من أجل إسعاد الآخرين.
7. الإنسان الجديد يملك طاقة بنّاءة وروحا مؤسِّسا، يبتعد عن النمطية بشدة، يعرف كيف يجدد نفسه مع الحفاظ على جوهره، ويعرف كيف يروّض الأحداث فتأتي لأمره طائعة خاضعة...لأن الإنسان الجديد، بطل التوازن بكل ما تعنيه كلمة التوازن؛ فهو يرى أن الأخذ بالأسباب من واجبه، والتسليم للحق تعالى من صميم إيمانه.
8. الإنسان الجديد فاتح ومكتشف معا، يغوص كل يوم في أعماق أعماق ذاته،...ويلح على طرق الأبواب المكنونة وفتحها في الآفاق والأنفُس"
[1].

· خاصية الدين..أو مكامن قوة الإسلام في عالم اليوم:
"

أن الإسلام منفتح على اقتباسِ ما يمكن اقتباسه من قيم الأمم الأخرى؛ فالإسلام يبحث عن كل فائدة ومصلحة حتى وإن كانت في أقصى بقاع الأرض، ويطلبها أنّى يجدها. وكما اقتبس في الماضي من علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك والهندسة والطب والزراعة والصناعة والتقنيات الأخرى أينما وجدها، ثم قوّمها وطوّرها وأودعها أمانة للأجيال الآتية، فاليوم أيضا يأخذ كل ما يمكن أخذه أينما وجده، وينميه ويطوره -إن استطاع- ويُودِعه أمانة للوارثين الجدد.".

لأن الإسلام كما يقول "إيمان، وعبادة، وأخلاق، ونظام يرفع القيم الإنسانية إلى الأعلى، وفكر، وعلم، وفن. وهو يتناول الحياة كلاًّ متكاملاً، فيفسرها، ويقوّمها بقيمه. وهو يفسر أداء الحياة دوماً ممتزجاً مع الواقع، ولا ينادي البتة بأحكامه في وديان الخيال بمعزل عن الحياة. يربط أحكامه وأوامره بمعطيات الحياة المعيشة وبإمكانية التطبيق، ولا يبني الأحكام في دنيا الأحلام. الإسلام متواجد وحركي في الحياة بكل مساحاتها، من المعتقدات إلى أنشطة الفن والثقافة... وذلك هو أهم الأمارات والأسس لحيويته وعالميته الأبدية"


· خاصية العصر..أو القرن الواعد:
"

لقد كان القرن الثامن عشر، بالنسبة لعالمنا، قرن التقليد الأعمى والمبتعدين عن جوهرهم وكيانهم؛ وكان القرن التاسع عشر، قرن الذين انجرفوا خلف شتى أنواع الفانتازيات واصطدموا بماضيهم ومقوماتهم التاريخية؛ والقرن العشرون، كان قرن المغتربين عن أنفسهم كليا والمنكرين لذواتهم وهويتهم، قرن الذين ظلوا يُنقّبون عن مَن يرشدهم وينير لهم الطريق في عالمٍ غير عالمهم. ولكن جميع الأمارات والعلامات التي تلوح في الأفق تبشر بأن القرن الواحد والعشرين، سيكون قرن الإيمان والمؤمنين، وعصر انبعاثنا ونهضتنا من جديد.

الخلاصة :
ان اضلاع مثلث النهوض تكمن في

ظهور الانسان الجديد مؤمنا بان الاسلام جمع بين التنظير والتطبيق كأفضل مايكون متيقنا من احقيته في النهوض متفائلا بان هذا العصر هو عصر نهضته

****************
د. سمير بو دينار *
مدير مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية - وجدة / المغرب
دكتوراه في العلوم السياسية ودبلوم الدراسات العليا في علم الاجتماع السياسي

Saturday, October 24, 2009

تماسك بلا انغلاق وانفتاح بلا زوبان

ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق
اذا كان هذا المشروع مشروعا ثقافيا في المقام الاول فوجدت ان افضل ما ابدأ به مشاركاتي في هذا المشروع هو كتاب متعلق بنوعه .....
اسم الكتاب : ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق
اسم الكاتب : د يوسف القرضاوي
دار النشر : دار الشروق طبعتي 2000 و 2005
اسم البلد : مصر
عرض وتقديم : م . اسلام العدل -خطوة للحياة

هذا الكتاب يلخص مفهوم ثقافتنا وخصائصها وودلائل احقية انفتاحنا علي الثقافات الاخري ومحاذير هذا الانفتاح مما يحقق لنا تمسك بلا انغلاق وانفتاح بلا ذوبان ....
يتكون الكتاب من اربعة فصول :
1- ثقافتنا ..مفهومها وخصائصها
2- الانفتاح في ثقافتنا
3- الانفتاح المحذور
4- نماذج من تراثنا
********
في الفصل الاول : يبدا الحديث بتعريف للثقافة علي انها افكار ومعارف وادراكات ممزوجة بقيم وعقائديات ووجدانيات تعبر عنها اخلاق وعبادات واداب وسلوكيات كما تعبر عنها علوم واداب وفنون وماديات ومعنويات
ويؤكد علي ان أي فعل يقوم به الانسان يمكن ان يكون ثقافة فمثلا اذا سم الانسان الله قبل الاكل ثم اكل بيمينه ومما يليه ثم حمد الله بعد الاكل فهكذا اصبح الاكل معبرا عن ثقافة بل عملية ثقافية .
ثم ينتقل مناقشا اشكالية هل ثقافتنا عربية ام اسلامية وهل هي دينية ام اسلامية ..؟
موضحا ان العروبة وعاء الاسلام والعربية لغة القرأن والاسلام يفهم بالعربية وبهذا فان ثقافتنا عربية اسلامية فالاسلام لا يستغني عن العربية والعروبة لا قيمة لها بدون الاسلام ....ويوضح كذلك ان الاسلام اوسع واكثر شمولية من كلمة دين فالتربية الدينية هي جزء من التربية الاسلامية والتي تشمل كافة العلوم كالتربية البدنية والتربية العقلية والتربية العلمية ..الخ
ويستعرض خصائص ثقافتنا في ثمان نقاط رئيسية
ربانية – اخلاقية – انسانية – عالمية – تسامحية – متنوعة (التنوع الشامل او الشمول المتنوع ) – وسطية – تكاملية
********

الفصل الثاني :
وفيه يجيب عن السؤال المتعلق بطبيعة الثقافة ..هل هي منغلقة متقوقعة علي نفسها ام هي ثقافة منفتحة ..؟
قائلا :ان الثقافة الاسلامية ليست ثقافة منغلقة بل هي لاصالتها وقوتها منفتحة علي الثقافات بضوابطها تأخذ منها وتدع وفق معايير راسخة.
ثم يبدأ في سرد الادلة التي تؤصل لهذا الراي من الناحية الشرعية في ستة نقاط
1- القرأن مصدق مهيمن ..وجاء ليتمم ويبني لا ليلغي ويهدم الا ما كان من الباطل
2- الرسول ابقي الصالح من احوال الجاهلية
3- شرعية اقتباس مالدي الامم (خاتم المكاتبات )
4- شرع من قبلنا .....(ان خير من استأجرت القوي الامين )
5- المسلم يلتمس الحكمة من أي وعاء ..(قرأة أية الكرسي ..كانت وصية من الشيطان)
6- المسلم كالنحلة ...(الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه )
ثم ينطلق ليؤكد علي انها ثقافة ترجب بالحوار مستدلا علي ذلك بــ
1- حوار الرسل مع اقوامهم
2- حوار ابراهيم لابيه
3- حوار موسي لفرعون
4- حوار الله مع الملائكة
5- حوارالله جل شأنه مع اشر خلقه ابليس
ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن
واخيرا هي ثقافة تؤمن بالتجديد
ان الله يبعث لهذه الامة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها
ويمضي موضحا الفوارق بين التجديد ومن يسمون انفسهم دعاة التنوير موضحا الفارق بين التنوير الحقيقي والتنوير الزائف
مرحبا بمواكب التنوير الواعي الامين لا مواكب التنوير الاعمي المغرض
********

الفصل الثالث : الانفتاح المحذور
وفيه يحذر من ثلاث :
1- الانفتاح قبل النضج ..فمن كان طري العود ضعيف البنية قليل الخبرة لا يسابق الابطال ولا يدخل حلبتهم
2- الانفتاح المتساهل في الاخذ والاقتباس بدون التاكد من عدم مخالفة ما تم اقتباسه للاسلام
3- الانفتاح المنبهر بثقافة الغير لان المنبهر لا يبصر كل الحقائق
********

الفصل الرابع : نماذج من تراثنا
وفيه يستعرض نموذجين من التراث افتحا علي الثقافات الاخري هما ابي حامد الغزالي وابو الوليد ابن رشد وكيف تاثرا بالثقافات الاخري واثرا
********
الخلاصة :
الجانب الثقافي هو الجانب الذي تتمايز به الامم ونحن امة لنا رسالتنا المتميزة الت يكاننت بها امة وسطا وكنا شهداء علي الناس وخير امة اخرجت لللناس لا بعرق ولا بلون ولا باؤض ولكن برسالتنا الربانية الانسانية الاخلاقية العالمية المتوازنة والمتكاملة والتي عبرت عنها ثقافتنا الاصيلة من ينابيعها الصافية هه الثقافة المعتزة بلاتها الشامخة باصولها المنفتحة علي غيرها ولكنها ترفض رفضا تاما ان توب في غيرها وان تضيع شخصيتها وتفقد مقوماتها وخصائصها
********

فهذا هو شعارنا الذي يجب ان نعلنه ونتمسك به في التعامل مع الثقافات المختلفة : تماسك بلا انغلاق وانفتاح بلا زوبان

اجابات لاسئلة النهضة الاساسية

د.جاسم سلطان يجيب عن اسئلة النهضة الاساسية
في مقتطفات موجزة من مشروعه المسمي مشروع النهضة
كتعريف النهضة واطوارها واحتياجاتها وفي اي المراحل نحن وما اهداف تلك المرحلة واولوياتها
******
****
***
د.جاسم سلطان - مشروع النهضة
تعريفنا للنهضة
هي حركة فكرية عامة، حية منتشرة، تتقدم باستمرار في فضاء القرن، وتطرح الجديد دون قطيعة مع الماضي. فهي نشاط عقلي فكري في المقام الأول،
يحدث في مجتمع من المجتمعات، ويقود إلى الانطلاق في مجالات العمل في شتى جوانب الحياة واكتشاف آفاقها.
وهذه الحياة الجديدة وهذا التصور الجديد لإمكانية الفعل التاريخي، ولإمكانية النظر للكون بمنظار جديد، هي السمة الأساسية لما يسمى بعصر النهضة،
وهي في الوقت نفسه ليست حركة في أرض منسابة سهلة، بل هي حركة تقودها النخب فتتعرض للاضطهاد والتنكيل والمقاومة كجزء من ضريبة هذا الوضع النهضوي الذي يتحرك فيه المجتمع
**********
أطوار النهضات
إن أية حضارة تمر بأربعة أطوار

الصحوة: وهي حالة من "صحا من نومه" ولم يضيء النور، فيتخبط هنا وهناك، فهي مرحلة حماس متدفق، وإحساس بالهوية ، لكنها تفتقد الرؤية والوعي، وكثيراً ما تتضارب فيها التحركات.
ويكثر الخلاف (هي الإحساس بالذات وبالهوية).
اليقظة: وهي مرحلة إضاءة النور، ومعرفة الوسط المحيط، فهي مرحلة وعي ورشد يلازمان الحماس، وهي مرحلة تنظيم الجهود العملية لتصب في اتجاه وهدف (هي فهم الواقع ).النهضة: وهي نتاج مرحلة اليقظة، وثورة الأفكار، وتتجسد في تيار متدفق من العمل الراشد في كل مجالات الحياة العلمية والتطبيقية. ولا تتكامل حلقاتها إلا من خلال أداة الدولة (هي طريقة الفعل في الواقع).
الحضارة: وهي النتاج المادي الملموس في كل المجالات من عمارة وفن وفكر وتصنيع وغير ذلك. وهي تمثل النموذج المنشود (هي ثمرة الفعل).
**********
ماذا تحتاج النهضة؟
لكي تشهد مجتمعاتنا مثل هذا العمل الجبار نحو النهضة تحتاج إلى عاملين
كتلة حرجة كمية : وهي موجودة الآن - وليست بالقليلة - نشهدها في الشوارع. نشهدها في الجامعات. نشهدها عند صناديق الاقتراع في
كثير من الأحيان عندما تتاح الفرصة للناس أن يعبروا عن آراءهم
كتلة حرجة نوعية: وهي التي تستثمر و تحول الكتلة الكمية إلى قوة حقيقة فاعلة أي أن عليها المعول في إطلاق عملية التحول والانطلاق
**********
مرحلة اليقظة
وهي المرحلة التي نسعى للانتقال إليها، لتوظيف الطاقات التي أفرزتها الصحوة في مشروع ورؤية واحدة، نحو أهداف واضحة. حيث يسود الرشد ويقل الاختلاف. فإن اختلفنا فسنجيد فن الاختلاف.
**********
أهداف مرحلة اليقظة
نقل الأمة من طور الصحوة العاطفي(الحماس مع قلة الرشد وضبابية الرؤية) إلى مرحلة اليقظة الراشدة العاقلة حيث يتم تنظيم الجهود العملية وفق رؤية استراتيجية تجمع كل الطاقات
**********
احتياجات مرحلة اليقظة
في اعتقادنا أن هذه المرحلة تحتاج إلى ثلاثة عوامل:1- التحضير الفكري الشامل والمتواصل للأمة تحضيراً ينتشلها من اليأس، ويبعث فيها الأمل ويجيب على تساؤلاتها أو شكوكها، ويوضح الرؤية، ويرسم الطريق، ويفتح لها مسارات عمل جديدة تتلاءم مع طبيعة المرحلة
2- التواصل مع النخب المؤثرة الحاكمة لبحث أفضل السبل لعودة الحياة الحضارية، والدخول في التنافس البشري حول الأولوية.
3- إيجاد مشاريع عمل مشتركة بين كل تيارات الأمة - الراغبة في النهضة – لتؤدي إلى النتيجة الحتمية في نهضة مجتمعاتنا.
**********
سياسات مرحلة اليقظة
1- البعد عن الارتجال أو الاكتفاء بالاقتصار على استثارة العواطف. إذ أن المرحلة يجب أن تسير في كل حركاتها على أدق قواعد البحث العلمي
2- الانطلاق من القواسم المشتركة للعاملين من أجل نهضة الأمة
3- عدم التخندق تحت مدرسة مذهبية أو حزبية بعينها
4- عدم إقصاء أي جهد نافع يصب في نهضة الأمة. حيث أن هذا المشروع لا يستغني عن النخب المؤثرة والقيادات الرشيدة الفاضلة من كل التيارات والأحزاب والجماعات وكل المخلصين من الحكام والمحكومين، بالإضافة إلى الدعاة والأفراد المستقلين
**********
أولويات مرحلة اليقظة
لعل الكثير من المخلصين اليوم يرون بوضوح حجم الاضطراب الذي يسود الأمة في قاعدتها الفكرية الواسعة، مما أدى إلى خلل في
الجانب التنفيذي.لذا فإن قائمة الأولويات في مرحلة اليقظة يتصدرها أمران في غاية الأهمية
الأول: موضوع الفهم، فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وذلك لأن العمل بلا علم أمر فيه خلل كبير، فصواب العمل مقترن بصحة العلم الذي قاد إليه
الأمر الثاني: والمرتبط بالموضوع الأول، هو ضرورة تنظيم الخارطة المعرفية الذهنية للعاملين في حقل النهضة. فكثير من المعارف والمعلومات التي يتلقاها الفرد الذي يهتم بشأن أمته تأتي من أطراف مختلفة، وفي غالب الأحيان تأتي أفكاراً متناقضة، ولا توجد
خارطة معرفية منظمة مسبقة، بحيث يضع فيها الفرد العامل ما يتلقاه من معارف ومعلومات في مكانها الصحيح
**********
نقلا عن وثيقة مشروع النهضة لدكتور جاسم سلطان

الحراك النهضوي مابين التنظير والتطبيق والنقد

في هذا المقال يتحدث دكتور يحيي نعيم من موقع يقظة فكر تحت عنوان اشكالية التنظير والتطبيق
عن ثلاثية البناء او ثلاثية الحراك النهضوي المتلخصة في
التنظير
التطبيق
النقد البناء
والعلاقة بين اطراف هذه الثلاثية التي تؤدي الي صحة الحراك
*************
*******
****
د.يحيى نعيم – يقظة فكر
الحديث حول نهضة أمتنا الإسلامية وشعوبنا العربية صار حديثاً ذو شجن, فما تمر به الأمة من نكبات ومحن أوهنت أركانها, فباتت ممزقة القوى ومن ثم فريسة سهلة أغرت الأعداء بالتكالب عليها والسعي للسيطرة علي مقدراتها ومواردها، قد خلق شعوراً مريراً في النفوس التي لم تزل نابضة بالحياة من أبناء هذه الأمة، فدفعها ذلك إلي الإبحار في عالم الأفكار بحثاً عن سبل الخلاص ونظريات النهوض
ومن ثم إجتمع لدي المهتمين بنهضة هذه الأمة ورفعتها صنوف شتى من الرؤى دفعتهم للتنظير لها والدعوة لتبنيها أملاً أن يتحقق بها البغية والمراد
هذا الحراك الفكري علي ما فيه من خير كثير ونفع مأمول، إلا أنه في حاجة للترشيد بما يجمع بين
المنهج العلمي في البحث والمنهج التطبيقى عند التنظير

والمقصود بالمنهج العلمي حال البحث هو ذلك المنهج الذي يمر بالمراحل الثلاثة: من الشعور بالمشكلة ، ثم وضع الحلول المحتملة لها “فرضيات البحث” ثم إختبار هذه الحلول والأخذ بالصائب منها
..
أما المنهج التطبيقى عند التنظير، فالمقصود به أن يكون ما نُنظّر له قابلاً للتطبيق والتنفيذ ،إذ أنه لا جدوى من طرح أفكار لا تغادر الوريقات التي خُطت عليها إلي أرض الواقع فتغيره وتنهض به.. فحال كهذا تشبه فيه النظرية وما إحتوته من أفكار جسداً مصروعاً بالعقل أو بأرفف المكتبات. ويبقى التطبيق وتحويل هذه الأفكار لواقع معاش بمثابة روح النظرية, وقلبها النابض بالحياة
.
لذا وجب علي من يخوض في غمار الفكر ليستخرج لأمته ما يعين علي نهضتها وخلاصها من كبوتها، مراعاة هذه المنهجية في البحث والتنظير.. كي لا نجد أنفسنا أمام كم هائل من الأفكار التي قد تبدو مجدية بين طيات الكتب فإذا ما حاول البعض تطبيقها إستعصت عليه
،فخلّفت إحباطاً أو يأساً من تكرار المحاولة في ظل أحوال تهيب بكل العاملين في ميدان النهضة بعث الأمل وتعظيمه في النفوس.

ينبغي أن تتسم الأفكار بالوضوح والدقة في الرؤية, وأن تكون أفكاراً عملية تهتم بتقديم الحلول لا البحث في المشكلات وتوصيفها من دون علاج كما قد نرى في بعض الأحوال..
كما ينبغي أن يتسم أصحابها بالعزم والمثابرة والإصرار علي تبليغها وإيضاحها ،خاصة إذا ما كان في بعضها خروجاً عن المألوف فكراً أو سلوكاً ،فالناس أعداء ما جهلوا وليس للبعض صبر علي إجهاد النفس لفهم الآخر أو السعي لمشاركته الوقوف علي أرضيته الفكرية.. وهذا ما يمثل الوجة الآخر لإشكالية التنظير والتطبيق عند العاملين في ميدان النهضة.
فحبث أنه في ظل حالة الترهل التي تعانيها معظم التنظيمات النهضوية القائمة في عالمنا العربي والإسلامي علي إختلاف أيديولوجياتها ، نشأت ظاهرة النقد لمناهجها الفكرية، سلوكها التنظيمي أو إستراتيجيتها الحركية…والمقصود بالترهل هنا هو فقدان الفاعلية وضعف الإنجاز عند البعض ، وإتساع البون بين المنهج الفكري الذي يقوم عليه التنظيم و الواقع الحركي له عند البعض الآخر…
ولعل من اللافت للنظر في هذا النقد أنه لا يقتصر علي المراقبين الخارجيين لهذه التنظيمات وطريقة عملها ، بل قد يمارسه بعض المنتمين لهذه التنظيمات والعاملين بين صفوفها في أحيان كثيرة،وهو ما يمثل نوعاً من النقد الذاتي،وظاهرة حديثه لم نعتد علي رؤيتها في سلوك التنظيمات العربية بشكل خاص حتى النهضوي منها..
ربما كونَها ظاهرة غير مألوفة هو ما أثار حفيظة بعض المنتمين لهذه التنظيمات التي تنال حظها من تلك الإنتقادات، حيث إرتأى هؤلاء أن تفشي هذه الظاهرة قد يبلبل الصفوف ويبعثر القوى ، بما قد يتسبب في آثار غير محمودة علي كيان التنظيم ونشاطه الحركي.
زاد من حدة الرفض لهذا النقد الذاتي ما قد يعتريه من قصور في الرؤية ، أو تعميم في الأحكام عند من يُطلقه ، أو ما قد يتسم به النقد من إستفاضة في تشخيص المشكلة دون تقديم الحلول المنطقية والعملية لها وفق منهج نقدي وبحثي سليم كما سبق التوضيح بالمقال الأول…
ولكن لوحظ أن مسألة الرفض المطلق لتقبل النقد الذاتي دونما تمييز ، قد ترتب عنها حالة من الجمود الفكري ، والذي أدى بدوره لإنعدام الحيوية والتجديد بالأنشطة والوسائل التي تتبناها هذه التنظيمات لتحقيق أدوارها وبلوغ أهدافها, ليس هذا فحسب بل صار هناك ما قارب التقديس لكل ما هو مألوف وتقليدي في بعض الأحيان, وخلط واضح بين الثوابت التي لا يجب المساس بها, والمتغيرات التي تتبدل وتتجدد بتغير الأحوال والظروف..
ما بين عدم الإلتزام بالمنهج التطبيقى عند التنظير الذي يمارسه البعض ، والنقد الذي لا يقوم علي أسس علمية سليمة عند البعض ، وحالة الفوبيا والرفض الشديد لتقبل النقد أو جديد الأفكار عند البعض الآخر نشأت الإشكالية بين التنظير والتطبيق عند العاملين في ميدان النهضة…
فصار هناك فريق يرفض كل ما هو جديد وغير مألوف دونما إختبار لصلاحيته من فساده ، وفريق يسبح عكس التيار حاملاً من بحار الفكر كل ثمين ولكن لا يجد من يشتري منه بضاعته بل ربما ضُيق عليه في عرضها والصدع بها..وفريق ثالث صار لايجيد سوى جلد الذات وممارسة النقد الغير بناء..
علاقة تكاملية

بيد أن الحقيقة التي ينبغي علي الجميع الإحاطة بها أن العلاقة بين التنظير والتطبيق علاقة تكاملية لمن أراد النجاح.. فالتنظير لأفكار لا يمكن ترجمتها لواقع معاش لايعدو حبراً علي ورق وجسداً من دون حياة, كما أن الحراك الذي لا يقوم علي فكر راشد وسليم لا يعدو خبط عشواء وجهد بلا طائل أو جدوى
..
وما أحوجنا في رحلة النهوض للجمع بين رشد النظرية الفكري وروعة التطبيق الحركي, ما أحوجنا لأن نرى التكامل والتلاحم والتنسيق بين فكر يُرشد ويد تشيد وعين ترقب بإيجابية.. فمن دون ذلك يبقى مشروع النهضة غير مكتمل الأركان ومن ثم يبقى حلمنا للنهوض والرفعة بعيد المنال.

Wednesday, October 14, 2009

المقال الافتتاحي : الفكر والحركية ...ودعاة النهضة

كل حركة يسبقها تصور فاذا صح التصور صحت الحركة
ولما كان الحراك قد بدأ في الزيادة والانتشار كان لابد ان يكون هناك من يحمل علي عاتقه حمل صحة التصورات ودعوة دعاة النهوض الي ان ان يتسلحوا بالفكر السليم ليكون حراكهم سليما ويحقق الاهداف المرجوة منه علي اكمل وجه ليصبح لدينا رجال نسميهم رجال الفكر والحركية ..وهم بذور الاجيال المثالية التي نبحث عنها ليعود مع حراكهم ميراث الارض الي ورثته الحقيقيون المستحقون له في الاية الكريمة
ان الارض يرثها عبادي الصالحون


ولما اصبح لدعاة النهوض وجود يكاد يكون ملموسا وحراكا يشعر به المراقب الفطن للساحة كان لابد من تقديم هذه الوجبة الفكرية التي تغذي الروح الداعية الي النهضة باختلاف التزاماتها الادارية واطرها التنظيمية التي تحتويها

ونحن اذ نكتب هذه المقدمة المتواضعة نستشعر حجمنا الحقيقي كشباب امام عماليق الافكار ورجالاتها ونستشعر جيدا كم نحن حديثي عهد اذا ما قورنا بخبرات رجل واحد من هؤلاء العماليق ولكن في خضم استشعارنا بحجمنا الحقيقي بجوار هؤلاء العماليق الااننا نؤمن باننا لابد ان نبادر ولابد ان يكون لنا دور كبر او صغر في هذه المرحلة ونؤمن بان سعينا للمساهمة مع غيرنا في هذه المرحلة وتحقيق امالنا منها وانتظارنا لنتائجها هو حقنا مهما كنا صغارا وواجبنا اذا كنا كبارا وضرورة وجودنا مهما اختلفت وسائلنا

ولاننا نؤمن بان الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها فهو احق بها
ونؤمن بان هذه المرحلة تحتاج الي توحيد عقول عماليق الفكر ليهمسوا في اذاننا بطلاسم النهوض من جديد

فحملنا علي عاتقنا محاولة تقديم خلاصة افكار هؤلاء العماليق لتكون زادا لدعاة النهوض وقلبا لاصحاب العقول وعقلا لاصحاب القلوب

وتدور تلك الافكار حول ثلاثية الوجود المتمثلة في
معرفة الله
تزكية النفس
اعمار الارض

بروح تصالحية مع الخالق والمخلوقات متوازنة بين العقل والقلب موازنة بين اعمال الروح واحتياجات الجسد بشمولية الكليات واستيعاب الجزئيات وبهمسات تبشيرية في محاولة لان نكون من مهندسي الضياء شعارنا النفير والاقدام ومصدر قوتنا الايمان والحقيقة .

ما نريده في هذه المرحلة باختصار
ان نساهم في كفاح الانبعاث من كل ارض
ورجاؤنا الوطيد كما تحد عنه فتح الله كولن
ان نشهد معاني سورة النصر بعظمتها وهيبتها كرة اخري وان ترفرف رايات الايمان والامل والامن فالاطمئنان والحبور وان تتعرف البشرية في الارض كلها علي نظام عالمي جديد فوق ما تتخيل وان يستفيد كل انسان بقدر ما تسع فطرته وافق فكره من تلك النسائم المنعشة

وفي المقال التالي سنوضح بعض ملامح الطريق الذي سنمضي فيه وخريطة الفترة القادمة
مدركين ان الطريق للنهوض عسير ولكن العسر لايعني المحال
وفقنا الله واياكم لما يحب ويرضي

Saturday, October 10, 2009

تحت الانشاء

تجريبي
(تحت الانشاء)

وجودنا الحقيقي لا يتم إلا عبر الحركية والفكر... حركية وفكر قادران على تغيير الذات والآخرين. والواقع أن كل كيان ثمرة حركة ومجموعة من المبادئ والتصورات، كما أن بقاءه مرتبط باستمرار هذه الحركة وتلك التصورات.


لذلك، ينبغي أن يستشعر وارثو الأرض الذين يخططون لإقامة عالم المستقبل، نوعَ العالم الذي يريدون إقامته، ونوع الجواهر اللازم استعمالها في إعمار هذا العالم


تابعونا
ملحوظة هذه التدوينة جزء من البث التجريبي وليست المقال الافتتاحي الرئيسي